قال الكاتب والناقد حمد حميد الرشيدي: لا بأس أن يسوق الأديب إنتاجه الأدبي بالطرق المعقولة والأساليب المتبعة في مثل هذه الحالات، مثل قيام بعض الكتّاب أو الأدباء والمثقفين بافتتاح معرض أو متجر خاص بإصداراته، أو المشاركة في بعض الفعاليات الأدبية والثقافية كمعارض الكتب والمناسبات الثقافية وما شبه ذلك، لتعريف الناس أو الزوار ببعض ما لديه من كتب أو مطبوعات أو إنتاج أدبي، ومما لا شك فيه أن عملية «التسويق» مهمة جدا لأي منتج ثقافي أو حضاري، ليس بالنسبة للأدب فحسب، وإنما لسائر ما ينتجه الإنسان من إنتاج حضاري في هذا العصر، ما يعكس إبداعه وتفكيره وهويته، ويعبر عن وجوده وتاريخه وشخصيته كإنسان في هذه الحياة، وطرق التسويق هذه الأيام -بخلاف الزمان السابق- كثيرة وميسرة ومتاحة للجميع، ولكن ما يعاب على الأديب أو المثقف بوجه عام هو تسويقه الإنتاج الرديء، أو تسويق الأعمال التي لا ترقى إلى المستوى الأدبي المطلوب الذي يليق به ويحترم ذائقة المتلقي في أي مكان من العالم.
سلعة ثقافية
ولفتت الشاعرة تهاني المبيريك، إلى أنه منذ العصر الجاهلي كان للشعراء رواة يلقون قصائدهم في المناسبات ويروجون لها كي يعرف عنها العامة، وأضافت: وقياسا على ذلك في عصرنا الحالي يحتاج الأديب إلى مثل هؤلاء الرواة الذين تقوم بعملهم حاليا وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة، التي تسهم إلى حد كبير في انتشار الأديب ونتاجه الأدبي، وهذه الطريقة التسويقية لا عيب فيها، واتجاه العالم بأكمله إليها يجعلها وجهة للكثير من الأعمال، والأهم من ذلك جودة الإنتاج الأدبي والتسويق للسمين منه وذي القيمة، لأن التسويق المطلق قد يكون أيضا للنتاجات الأدبية الضعيفة في مضمونها وفكرها، لذا كان من الواجب أن يتم تقييم النتاج الثقافي قبل التسويق له، وذلك من قبل مراكز ثقافية تحمل رسالة قيمة لخدمة الأدب والأديب، وبعد ذلك كله يبقى للأديب الحق في أن يتم الإعلان والإعلام عن نتاجه، خاصة أننا في زمن تنتشر فيه المعرفة، وقد لا يجد الأديب مَن يعرف شعره أو روايته أو مقالاته دون نشر أدبه كسلعة ثقافية ذات قيمة.
أخلاق المنافسة
وقال الكاتب عقيل المسكين، إنه يشترط لعملية تسويق الأديب لنتاجه الأدبي ألا يشوب هذا التسويق أي شيء من القدح في الآخرين أو تسقيط نتاجهم الأدبي، أو محاولة إزاحته من السوق، أي أن يتحلى الأديب أثناء تسويق كتبه بأخلاق المنافسة الشريفة، وأضاف: أعتقد أن جميع الأساليب المتطورة في التسويق تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي كسبل للعرض وتعريف المتلقي عن هذه النتاجات الأدبية وأماكن عرضها وبيعها، ومن المهم أيضا ألا يغفل الأديب المسوق لأدبه كون هذا اللون الأدبي الذي يكتب فيه ليس وحيدا في سوق الأدباء وأماكن التسويق، فعليه أن يحترم كل ما يعرض ويكون منصفا في نقده للآخرين، وذلك لاختلاف المشارب والمدارس والمنطلقات، وكل له وجهته التي يتوجه إليها.
التعريف بالتجربة
وأعرب الشاعر والكاتب علي الستراوي عن أسفه، لأن الأديب والكاتب حاليا بحاجة إلى التعريف بتجربته أمام الكثير من وجوه الدخلاء على الأدب، مثل الذين رفعتهم وسائل التواصل الاجتماعي وأصبحوا في كل المواقع دون معرفة بالأدب، لأن البعض يسرق من الأدب الرصين وينسبه لنفسه، ولأن أدباء هذا العصر من الذين حبروا تجربتهم بصدق وأمانة، يدفعون من تعب أجسادهم قيمة نتاجهم ليتعرف عليه الآخرون، لكن البعض مَن استسهل الكتابة لا يعرف للكتاب قيمته، ولا يريد أن ينصف تجارب الآخرين من المبدعين بصدق، بل يظل يطبل لصوته معتقدا أنه الأوحد رغم هزالة تجاربه، لذلك فليس عيبا أن أسمع بأديب قضى عمره في كتابة الأدب الصادق والرزين وتعريف الآخرين بتجربته ونتاجه.
حق مشروع
فيما قال الشاعر يحيى العبداللطيف: التسويق حق مشروع لأي منتج، لكن بالطرق التي تحفظ للكاتب وقاره وللأدب قيمته، وفي اعتقادي أن دور النشر لو خصصت لتسويق كتبها البائع المحترف القارئ، الذي يعطي انطباعا للقراء بشكل جيد ويفهم طبيعة المشتري فهو أهم مسوق للكتاب، وهذا ما نفتقر له، فبعض الدور تضع بائعا وظيفيا كمَن يبيع في أي دكان مهمته استلام المبلغ، ما يضعف تسويق كتب الدار والمكتبة الموزعة، وعلى الأدباء تشجيع الكتاب الجيد من خلال التوصية به من خلال مواقع التواصل، بالإضافة إلى دور أندية القراءة كذلك، التي من مهامها أن تعنى بتتبع الكتب المهمة والجديدة، وأن تخصص مساحة للكتاب المحلي، لأننا بحاجة إلى دعم الإصدارات السعودية، فهذا واجب ثقافي وطني.
النشر الواعي
ويرى الشاعر علي النمر أن طبيعة الأدب هو النشر، وإلا لم يصل لنا كل هذا التراث الأدبي، وهناك مَن يحاول أن يذر رماد التسويق في عيون المتلقي، كي يخبئ ترهل ما يقدمه، أو يمرر ما لم يكتمل نضجه من نتاج الأديب، ولكن يجب ألا نتعامل مع نشر الأديب نتاجه على أنه تسويق، كما أن أجمل صور التسويق هو شهادات المجيدين من الأدباء وقراءاتهم، والنشر الواعي المواكب لزخم وسائل التواصل والمتكامل في جماله شكلا ومضمونا.
الإحالة للسوق
فيما ترى الشاعرة رباب إسماعيل، أن كلمة «يسوق» هي الإشكال في هذا الطرح، لأنها تحيل إلى السوق بما لها من معنى مادي، فهل الأدب بما هو منتج عرضة للبيع والشراء؟ الأديب لا ينتج منتجا استهلاكيا، حتى الكتاب لا يعد سلعة بالنسبة للأديب، وهنا نكون أمام أسئلة أعمق: مَن هو الأديب؟ وما دوره في الحياة؟ هل الكتاب سلعة بالنسبة للقارئ أم لدار النشر أم الكاتب؟
وأكدت أن الجانب الشخصي لأي إنسان بات حاضرا بكثافة، وأن الأديب مجبر على الحضور وعرض ما لديه، وإلا فلن يجد من ينشر إنتاجه، ولا مكتبة تقبل استقبال كتبه على رفوفها، كما أن أفضل طريقة «للتسويق» هنا هي أن يكون متزنا صادقا مع نفسه بعيدا عن الادعاء.
المعارض والمتاجر الخاصة والفعاليات المباشرة ضرورة لتحقيق الانتشار للكاتب
طرق التسويق أصبحت أكثر وأسهل من السابق بشرط الابتعاد عن الإنتاج الرديء
«التسويق».. حق مشروع للكاتب بطرق تحفظ للأدب قيمته
الأديب مجبر على الحضور وعرض ما لديه وإلا فلن يجد مكتبة أو دارا تنشر إنتاجه