هناك ذكريات جميلة لا تنساها عقولنا، وهناك ذكريات مثيرة عالقة في دواخلنا أحلاها ما كانت أيام الصبا والشباب وأغلاها ما كانت مع زملاء العمل والمهنة، وأنا عندما أكملت الدراسة الجامعية في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام عام 1397هـ وتم اختياري معيدا بها لم أجد لي فيها ركنا شديدا، هذا من غير الظروف، التي لم تساعدني، فرغبت في تحويلي إلى جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، التي لم أجد لي فيها مقعدا رغم التوصيات، فتحولت إلى فرع جامعة الإمام في جدة، وعملت فيها عامين كاملين، وكان نظام المعاهد السابق يعتمد على الدراسة المنهجية فقط، وكانت بعيدة كل البعد عن الأنشطة غير الصفية إلا أن مدير المعهد العلمي الأستاذ (علي محمد السحيباني) الحديث عهد بالإدارة كان أنموذجا في التعامل الإداري المرن والبعيد عن المركزية القاتلة والبيروقراطية المعطِّلة قدم الدعم لنا ومنحنا الثقة والحرية المتكاملة في جميع الأنشطة، التي كان المعهد في حينها محروما منها، فقمنا مع بعض الزملاء الأفاضل بتقسيم الطلاب بالمعهد إلى أسر ومجموعات متنافسة في جميع المجالات الثقافية والرياضية والاجتماعية والإذاعية، وجهزنا ملاعب لكرتي القدم والطائرة بفناء المعهد الكبير، الذي كان يعانق البحر صباح مساء بالقرب من كوبري بحيرة الأربعين، فتحولت حصص الانتظار (الاحتياط) غير المرغوبة إلى محبوبة للمعلم والطالب، وهكذا اتسعت دوائر الأنشطة الأخرى خلال تلك الحقبة المميزة على فترتين وبعدها انقطعت عن زملاء ذلك الزمن الجميل لأكثر من أربعة عقود ونيف إلا أن الشيخ الدكتور حسن أحمد الأزيبي والقاضي بوزارة العدل وأستاذ علم المواريث لأكثر من ثلاثة عقود كان مهندس ذلك اللقاء، الذي استطاع بجهوده الشخصية أن يجمع الكثير من الإخوة المعلمين والطلاب المميزين في داره الكائنة بحي الفهد، فأعاد الذكريات واختصر المسافات مع جيله، الذين رأيناهم في محطات الإعلام والتعليم ومجالات القضاء والعسكرية، فذكرونا بمواقف طريفة تبسمنا لها لأنهم لم ينسوها.
والحقيقة فلقد سعدت بذلك اللقاء الأخوي، الذي رأيت فيه وجوه بعض الزملاء وهي محتفظة بقسماتها بعد أن وهن العظم وطغى الشيب، كما سعدت أكثر بذلك الحب الأبوي من الطلاب، الذين عرفوني وأنا لم أعرفهم، فالطالب لا ينسى معلمه، فالعميد جمعان الزهراني مثلا ذكرني بتفاصيل رحلتنا إلى معهد عنيزة العلمي عام 1398هـ ولقائنا بالشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- عندما كان معلما بالمعهد، وإن كنت أذكر أنني ألقيت أول قصيدة شعرية لي في حفل أُعد لهذه المناسبة فأهداني الشيخ بعض الكتب، التي مازلت محتفظا بها حتى اليوم.
صحيح أن الذكريات تبقى ولكن الأيام لا تعود إلا أنها ليلة جميلة أتت بعد عقود من الترحال، فرقتنا فيها المناصب، وأخذتنا عن بعضنا المشاغل، كان للشيخ أبي أحمد، الذي جمعني بهم الفضل الأول بعد الله، وختم اللقاء وشرفه اتصال مدير المعهد في تلك الليلة المنورة بالمعزة والإخاء والمكرمة بالمحبة والوفاء.
@yan1433