وأطلع لافروف خلال المباحثات في تونشي، عاصمة إقليم آنهوي بجنوب شرق الصين، نظيره الصيني على ما تصفه روسيا بـ«العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا، وطمأنه أن بلاده تريد «خفض التوتر» والاستمرار في مباحثات السلام.
وتقول روسيا: إنها تنفذ «عملية خاصة» لنزع سلاح جارتها وتطهيرها من «النازيين الجدد»، بينما تقول الدول الغربية: إن موسكو شنت غزوا غير مبرر شمل هجومًا واسع النطاق على العاصمة تصدت له الدفاعات الأوكرانية بقوة.
دعم صيني
ومنحت الصين روسيا دعما سياسيا في الصراع الأوكراني ورفضت إدانة الحرب وصورت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على أنهما السببان الرئيسيان للأزمة.
وقال وزير الخارجية الصيني: إن الصراع في أوكرانيا يرجع إلى «عقلية الحرب الباردة» لدى الدول الغربية، فيما أكد الجانبان على التقارب بين موسكو وبكين.
وأشار لافروف إلى الفترة الصعبة الحالية في تاريخ العلاقات الدولية، وقال: إنه يجدر بروسيا والصين والدول الأخرى المماثلة لهما في التفكير العمل على تعزيز العلاقات لتشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، عادل وديمقراطي.
وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية وانغ وين بن، في مؤتمر صحفي: التعاون بين روسيا والصين لا حدود له، وأضاف: نعمل من أجل السلام بلا حدود، والحفاظ على الأمن بلا حدود ورفض الهيمنة.
وبعد زيارته الحالية للصين، أعلنت وزارة الخارجية الهندية أمس أن وزير الخارجية الروسي سيبدأ زيارة للبلاد، اليوم الخميس، وغدًا الجمعة، ولم تذكر الوزارة تفاصيل أخرى.
يُذكر أن الصين والهند، أكبر دولتين في العالم من حيث عدد السكان لم تشاركا حتى الآن في العقوبات التي يفرضها الغرب على روسيا، كما أنهما لم تدينا موسكو.
كما امتنعت الهند أيضا عن التصويت على قرارات مجلس الأمن سواء الصادرة ضد روسيا أو المقدمة منها.
ورغم ضغوط الولايات المتحدة وأوروبا، فإن الهند التي يتجاوز عدد سكانها 1.3 مليار نسمة، لم توجه انتقادًا للحرب الروسية على أوكرانيا بسبب العلاقات الوثيقة بين الهند وروسيا والممتدة على مدار فترة طويلة، كما أن هناك جزءًا كبيرًا من الأسلحة التي يستخدمها الجيش الهندي مصدره روسيا.
وتعتزم الهند توسيع نطاق تجارتها مع روسيا وزيادة مشترياتها من النفط الروسي الرخيص، وثمة تقارير ذكرت أن البلدين يرغبان في التوصل إلى حل من أجل تسهيل هذه التجارة عبر بديل لنظام «سويفت» العالمي للمدفوعات بين المصارف.
الشراء بـ«الروبل»
وفي السياق، نقلت وكالة «تاس» للأنباء عن نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف قوله، أمس الأربعاء: إن اشتراط الدفع بالروبل بدلا من الدولار أو اليورو لشراء الطاقة الروسية ليس خرقا للعقود، لكن روسيا تتكيف مع ضغوط لم يسبق لها مثيل.
وقال ريابكوف: إنه يتوقع أن تتوصل روسيا والاتحاد الأوروبي خلال الأيام القليلة القادمة إلى اتفاق بشأن خلافاتهما.
وقوبل إصرار موسكو على الدفع بالروبل مقابل الغاز الروسي، الذي يلبي ثلث الحاجات السنوية لأوروبا، برفض شديد من الدول الأوروبية.
وقال ريابكوف: إنه يأمل بأن تغير الدول الأوروبية رأيها بشأن الدفع بالروبل وأن تجد حلا مبتكرًا للمشكلة.
وتعزل العقوبات الغربية روسيا عن التجارة العالمية لدرجة غير مسبوقة مع اقتصاد ضخم كهذا، غير أن موسكو لا تزال موردا رئيسيا للنفط والغاز لأوروبا وتحاول موسكو الضغط للاستفادة من ذلك.
ففي الأسبوع الماضي أبلغت موسكو المشترين الغربيين لصادراتها من الغاز أنه سيتعيّن عليهم حاليا الدفع بالروبل، وهو طلب رفضته مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى.
وأعلنت ألمانيا، أكبر مشتر لغاز روسيا، أمس الأربعاء، «إنذارا مبكرا» لحالة طوارئ محتملة لو أقدمت روسيا على قطع الإمدادات.
وحث وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك المستهلكين والشركات على خفض الاستهلاك قائلا: يجب علينا، زيادة الإجراءات الاحترازية تحسبا للتصعيد من جانب روسيا.
وقال بيسكوف المتحدث باسم الكرملين: «إن التحول إلى الدفع بالروبل سيستغرق وقتا ولن يفرض على الفور»، ومن المفترض أن تطرح شركة الطاقة الروسية العملاقة «جازبروم» والبنك المركزي خططا، اليوم الخميس، بشأن عملية الدفع بالروبل.
وقال فياتشيسلاف فولودين رئيس مجلس النواب الروسي (الدوما) في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي: إن أوروبا يجب ألا تقاوم التسعير بالروبل.
وأضاف موجهًا حديثه للسياسيين الأوروبيين «إذا كنتم تريدون الغاز فابحثوا عن الروبل»، واقترح فولودين توسيع سياسة الدفع بالروبل لتشمل صادرات أخرى بينها النفط والحبوب والأسمدة والمعادن، ووصف هذه الفكرة بأنها جيدة وقال: إنه سيتم النظر فيها.
استعداد أوروبي
في المقابل، قال المفوض الأوروبي لشؤون البيئة فرانس تيرمانس: إن المفوضية الأوروبية مستعدة للتعامل مع الاضطرابات المحتملة فيما يتعلق بإمدادات الغاز من روسيا.
وأضاف تيرمانس، عقب إعلان ألمانيا مستوى الإنذار المبكر لخطة طوارئ الغاز: من المنطقي أن تعد الحكومات نفسها وتتصرف بصورة وقائية، وأشار إلى أن المفوضية على استعداد لمساعدة الدول الأوروبية الأعضاء، والعمل عن قرب للاستعداد لاضطرابات إمدادات الطاقة.
وعلى الصعيد ذاته، أعلن رئيس وزراء بولندا ماتيوش مورافيتسكي، أمس الأربعاء، أن بلاده ستتخذ إجراءات للاستغناء تماما عن النفط والغاز الروسي بحلول نهاية 2022.
وتابع: بفضل هذه المصادر، سنصبح مستقلين عن النفط والغاز من روسيا، ودول أخرى، لا تشكل تهديدا لنا.
إلى ذلك، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأوكرانية أولكسندر موتوزيانيك: إن القوات الروسية في أوكرانيا تعيد تجميع صفوفها وتستعد لاستئناف العمليات الهجومية.
وأضاف: الجهود الروسية الرئيسية تتركز على تطويق القوات الأوكرانية في شرق أوكرانيا، مشيرا إلى أن روسيا لا تزال تحاول السيطرة على مدينة ماريوبول الساحلية في الجنوب وبلدتي بوباسنا وروبيجني.
وتابع قائلا: إن روسيا تستعد لاستئناف العمليات الهجومية وإن قيادة القوات المسلحة الأوكرانية رصدت تحركات للقوات الروسية إلى خارج منطقتي كييف وتشيرنيهيف لكن لا تعتبر هذا انسحابا شاملا.
وبعد نحو خمسة أسابيع على الحرب، قالت روسيا: إنها ستقلص العمليات بالقرب من مدينة كييف ومدينة تشيرنيهيف الشمالية لزيادة الثقة المتبادلة من أجل محادثات السلام.
لكن فلاديسلاف أستروشينكو رئيس بلدية تشيرنيهيف قال: إن القصف الروسي اشتد خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية وإن أكثر من 100 ألف شخص محاصرون داخل المدينة وليس لديهم ما يكفي من طعام وإمدادات طبية إلا لأسبوع آخر تقريبا.
وتمكنت القوات الأوكرانية على مدى الأسبوع المنصرم من تحقيق مكاسب على الأرض حيث استعادت بلدات وقرى على مشارف كييف ونجحت في كسر الحصار المفروض على مدينة سومي الشرقية وتصدت للقوات الروسية في الجنوب الغربي.
خطوة روسية
ومن واشنطن، قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون): إن روسيا بدأت في نقل أعداد صغيرة جدا من القوات بعيدا عن مواقعها حول كييف واصفة الخطوة بأنها إعادة تمركز أكثر من كونها انسحابا.
وقالت موسكو في الأيام الأخيرة: إن تركيزها الأساسي ينصب حاليا على جنوب شرق أوكرانيا، في منطقة دونباس إذ تحاول الاستيلاء على مزيد من الأراضي لتسليمها إلى الانفصاليين الذين تدعمهم منذ عام 2014.
وتضم المنطقة ماريوبول، وهي مدينة ساحلية يقطنها 400 ألف شخص تعرضت لدمار جسيم بعد شهر من الحصار الروسي، وتعتقد الأمم المتحدة أن الآلاف ربما لقوا حتفهم فيها.
من ناحية ثانية، قالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت أمس: إن المدن الأوكرانية تعرضت لضربات جوية وقصف عنيف خلال الغزو الروسي المستمر منذ خمسة أسابيع، مما أسقط قتلى مدنيين في أعمال قد تصل إلى حد جرائم الحرب.
وعقدت روسيا وأوكرانيا أول محادثات سلام مباشرة منذ ما يقرب من ثلاثة أسابيع في إسطنبول الثلاثاء. قدمت أوكرانيا اقتراح سلام تقبل بموجبه وضعا محايدا مع ضمانات دولية لحمايتها من أي هجوم في المستقبل، ودعا الاقتراح إلى وقف إطلاق النار وتأجيل مناقشة المطالب الإقليمية لروسيا.
وقال كبير المفاوضين الروس في المحادثات مع أوكرانيا فلاديمير ميدينسكي، أمس الأربعاء: إن بلاده لن تتخلى عن إصراراها على اعتراف أوكرانيا بخسارة القرم، التي ضمتها موسكو عام 2014، واستقلال الجمهوريتين الانفصاليتين المعلنتين من جانب واحد في شرق أوكرانيا واللتين تشكلان منطقة دونباس.
ومضى يقول «أريد التأكيد في إطار منفصل على أن موقف بلادنا من حيث المبدأ فيما يخص شبه جزيرة القرم ودونباس لم يتغير».
وهذه نقطة شائكة رئيسية بالنسبة لأوكرانيا، التي تقول: إنها لن تقدم أي تنازلات إزاء وحدة أراضيها، فيما يقول المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف «إن روسيا لا تعتزم مناقشة سلامة أراضيها مع أي شخص».