عالم اليوم معقد إلى درجة يصعب معها تحليل كل شاردة وواردة فيه. لكن ارتباط السياسة بالاقتصاد وبالعملة تحديدا كان وما زال محركا أساسيا للتاريخ. فقد رأى عبدالملك بن مروان بثاقب نظره، ضرورة سك عملة جديدة للدولة الوليدة آنذاك (الأموية) والتي ستصبح لاحقا الإمبراطورية الأكبر في تاريخ الإسلام. لقد كان لهذا القرار أثره الحاسم في ربط السياسة بالاقتصاد. فقد كانت الدولة آنذاك من الاتساع بحيث لم يمكن للدراخما البيزنطية أن تفي به، ناهيك عن العملة ذاتها، وما تحمله من رموز وكتابات على طرفي نقيض من مشروع الدولة الوليدة آنذاك. ومذ ذاك أصبح سك العملة مفصلا أساسيا في توثيق عرى الدولة سياسيا واقتصاديا في تاريخ الإسلام.
من المسلم به أننا نعيش في عالم سياسي ذي قطب واحد وهو ما ترتب عليه تبعية اقتصادية تعني في المقام الأول هيمنة الدولار باعتباره القطب الأوحد في سلة العملات الدولية. غير أن هذا الإعلان الجديد من روسيا إضافة إلى تصريح أعلى المسؤولين في المملكة بإمكانية بيع النفط للصين باليوان، وبدء بعض البلدان بتبني عملات أخرى غير الدولار في سوق التبادلات التجارية فيما بينها، ناهيك عن الصعود الصاروخي الهادئ للاقتصاد الصيني وعملته، يشير بلا شك إلى أن العالم على أعتاب انتقال نوعي في سوق العملات الدولية، وهو انتقال يترتب عليه حتما وإن على استحياء انتقال سياسي أيضا.
إن هيمنة عملة واحدة على اقتصاد العالم هو قرار فيه من السياسة بقدر ما فيه من الاقتصاد وفيه من الاقتصاد بقدر ما فيه من السياسة. وحدهم جهابذة السياسة والإدارة والاقتصاد قادرون على فك طلاسمه. كما أن المناداة بتعدد سلة العملات في التجارة الدولية مطلب ليس بالجديد. يبدو كل ما في الأمر أن هذه الحرب قد عجلت بحدوثه. بريكس (BRICS) تحالف كل من البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا، كان قد أعلن عن نفسه كبديل لهيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي في أول قمة عقدتها هذه الدول في عام 2009م. ليس من الواضح، على الأقل لدى العامة من الناس، مدى نجاح هذا التحالف في خلق توازن اقتصادي دولي، لكن مجرد إنشائه مؤشر واضح على ما يدور في كواليس الاقتصاد العالمي من محاولات لإحداث توازن دولي في السوق العالمية.
وعلى أية حال فإن العالم اليوم يمر بتغيرات جذرية وإن لم تطف نتائجها على السطح بعد. ولعله أنسب للعالم أن ينوع من سلاله الاقتصادية والسياسية أيضا. والسؤال الذي يطرح نفسه دائما في مثل هذه التحولات والاستقطابات أين موقع العرب منها. والجواب بطبيعة الحال مرهون بمدى وعي العالم العربي بذاته، وموقعه، في عالم لا بقاء فيه إلا للأصلح.
[email protected]