ويمكن أن نستمر بالحديث ولا ننتهي حول الأهمية التي تحظى بها القيم الأخلاقية وأهمية العمل بها في حياة المسلم. لكن مقصدنا هنا هو التساؤل المحير الذي صدرنا به المقال، فكلما زاد الخطاب الوعظي انتشارا وحضورا بقوة في حياتنا الراهنة، تعمقت أزمة الأخلاق وانفصل بالتالي هذا الخطاب عن مرجعياته التراثية.
ظل المفكرون العرب إلى حدود ما بعد عصر النهضة العربي يولون اهتمامهم بالعقل العربي باعتباره العائق الأكبر أمام الحداثة العربية وأمام دخول مجتمعاتها بوابة التحديث والتصنيع، وعليه مضت اجتهادات الكثير في البحث عن العلل والأسباب ووضع الحلول والمقترحات وحتى البرامج والآليات الكفيلة بإصلاح الخلل.
ورغم أهمية مثل هذا العائق، وأهمية الاجتهادات التي تبلورت على أيدي الكثير منهم، إلا أن ثمة عائقا لا يقل أهمية عنه، لم يتم الانتباه له، إلا عند القلة، منهم مالك بن نبي في مشكلات الحضارة أو طه عبدالرحمن أو محمد عابد الجابري وغيرهم في خريطة المفكرين العرب، وهو عائق يتحدد بأزمة القيم الأخلاقية وموضع سلم أولوياتها في الحياة العامة.
ويمكن الإشارة إلى ظاهرة واحدة من ظواهر هذه الأزمة المتعددة على جميع الأصعدة والمستويات، فقد نشرت جريدة اندبندنت عربية تقريرا بتاريخ 22 فبراير 2021 بعنوان «العنف الأسري يهز أركان البيت العربي» رصد فيه 16.861 حالة عنف بالعراق في عام واحد، 78 جريمة بالقاهرة وارتفاع المعنفات إلى 33 في المائة بالأردن.
هذا مثال بسيط يوضح ما أردنا أن نقوله عن تلك المفارقة بين انتشار الخطاب الوعظي الديني الذي يفترض أن يقضي أو لنقل يقلل من تفشي تلك الظاهرة وبين أزمة الحياة العربية الأخلاقية. لكن في المحصلة نرى الخطاب يذهب في جهة، وما يجري في الواقع يذهب هو الآخر في جهة أخرى، وكل يوم يتعمق الفراق، ولا حلول.
خلاصة القول: أزمة القيم أزمة بنيوية، تضرب أطنابها في أسس الشخصية العربية، ولا تحتاج فقط للمفكرين والفلسفة، بل كل الجهود التي تنطلق من العلوم الإنسانية في جميع فروعها متوجهة إلى دراسة الواقع بجميع تفاصيله، وهذا يتطلب رؤية استراتيجية تنهض على قاعدتين: الدولة والمجتمع وذلك ضمن أهدافها الكبرى في التنمية الشاملة.
@MohammedAlHerz3