قبل أيام، عدت إلى قراءة كتاب في صالون العقاد كانت لنا أيام والذي يعد من أروع كتب الأستاذ الراحل أنيس منصور، وعلى الرغم أن الكتاب يصنف كسيرة ذاتية للمؤلف إلا أنه ضم كنوزا فريدة عن حياة العقاد وعبقريته وفكره، كما يحسب للكاتب أنيس منصور أنه أول من لفت الأنظار إلى عام 1889م، العام الذي ولدت فيه أسماء لامعة في السياسة والثقافة والفن والأدب، ويأتي في مقدمتهم بالطبع عباس محمود العقاد، ومعه طه حسين وإبراهيم المازني وايليا أبوماضي وميخائيل نعيمة وادولف هتلر وعبدالرحمن الرافعي ومكرم عبيد وشارلي شابلن ومارتن هيدجر ونجيب الريحاني وعبدالحميد بن باديس وأحمد حسنين باشا وغيرهم.
إن أول ما يلفت نظر الباحث في سيرة العقاد شهادته الابتدائية، فعلى الرغم من انتشار التعليم في زمنه إلا أنه ضاق بمناهج التعليم مبكرا شأنه في ذلك شأن العديد من العباقرة وجهابذة التاريخ الذين كرهوا قيود المناهج وصرامة المعلمين ونظم التعليم وراحوا يلهثون وراء فضاءات العلم الواسعة وحرية المعرفة الفسيحة، فحققوا من الإنجازات والإبداعات ما جعل أسماءهم تخلد في ذاكرة التاريخ، فتوماس أديسون المخترع العظيم لم يكن يحمل حتى الشهادة الابتدائية، وليفنهوك مخترع المجهر وعالم الأحياء الشهير لم يعرف مقاعد الدراسة، وحتى أيقونة الأدب الإنجليزي وليم شكسبير لم تطأ قدماه بلاط كليات الأدب والشعر ولكن اسمه أضحى علامة في تاريخ الأدب الإنساني برمته، وفي تاريخ الإبداع الإنساني تتكرر هذه الظاهرة بصورة مكثفة.
لقد عاش العقاد حياته وهو يؤثر الوحدة على الاختلاط، ويهوى معاشرة الكتب والمراجع على مخالطة الغوغاء ومجالسهم، وبالرغم من ذلك كله فإنه لم يكن بعيدا عن حياة الناس والمجتمع بل كان مشاركا وفاعلا بينهم وبين قضاياهم، فكان كاتب مقالة من الدرجة الأولى، ومؤلفا من الطراز الرفيع، وقد فرض على نفسه وحدة صارمة في مكتبته التي تضم آلاف الكتب والمراجع، والتي خرج منها بحصيلة ثقافية وفكرية مكنته من مقارعة كبار المتعلمين والأكاديميين وحملة الشهادات العليا بل وجعلته في بعض الأحيان يفحمهم حجة وبرهانا، ولكن هذه الوحدة حرمته من رؤية الدنيا على وجهتها الحقيقية مما جعله يتطرف في نظرته للمرأة وللمجتمع وأفقدته الرؤية النقدية الموضوعية في كثير من الأحيان.
لم يتزوج العقاد في حياته ولعله حتى لم يفكر به على الإطلاق ولعل بعده عن المرأة جعله يتطرف في رأيه عنها، ويبعد عنها ويبعدها عنه، وإنني لكم تمنيت أن أرى العقاد يتزوج بامرأة فائقة الجمال والبهاء ولها من النشاط والهمة ما يمكنها من رعاية العقاد والعناية به لأني أعتقد - والله أعلم - أنه كان بمقدوره أن يحيا حياة أروع من التي عاشها ويقدم من الإسهامات الثقافية والفكرية أسمى من الذي قدمه !!.
@albakry1814