وأضاف: كتب مايكل شومان، الزميل بالمجلس الأطلسي في مجلة «أتلانتيك» يقول: إن الغزو الروسي لأوكرانيا وسلسلة عمليات الإغلاق على خلفية وباء كورونا في الصين، اللذين ليس بينهما قواسم مشتركة ظاهريا، إلا أن كليهما يعمل على تسريع التحول الذي يقود العالم في اتجاه خطير، ويقسمه إلى مجالين، أحدهما يتركز في واشنطن، والآخر في بكين.
ومضى يقول: تُظهر محادثاتي في دبي، في القمة العالمية للحكومات وفي منتدى الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي، القليل من الحماس أو الاقتناع بهذه الرؤية المتشعبة للمستقبل.
وأضاف: لا مصلحة للمشاركين في الشرق الأوسط في التخلي عن العلاقات مع الصين، الشريك التجاري الرئيسي للسعودية والإمارات، أو الانفصال عن روسيا، التي رسخت نفسها كقوة لا يُستهان بها عندما أنقذت بشار الأسد من خلال تدخله العسكري في حربه.
وأردف: إضافة إلى ذلك، فقد شركاؤنا في الشرق الأوسط الثقة في التزام الولايات المتحدة أو كفاءتها للقيادة العالمية بعد الانسحاب الفاشل من أفغانستان العام الماضي، وفي ظل شعورهم بأن إدارة بايدن تسعى لإنجاز اتفاق نووي مع إيران دون مراعاة العدوان الإقليمي لطهران بشكل كافٍ.
صانعو السياسة
وفي المقال المنشور على شبكة «سي إن بي سي»، يمضي شومان بالقول: في جميع رحلاتي العديدة إلى المنطقة على مر السنين، لم أسمع أبدًا مسؤولين في حكومة الشرق الأوسط يعبرون عن هذا المستوى من الإحباط تجاه صانعي السياسة في الولايات المتحدة.
وتابع: مع ذلك، فهم يراقبون أوكرانيا بذهول لأن انتصار أوكرانيا بوجود غرب قوي وموحد خلفها، من شأنه أن يجبر على إعادة التفكير في التزام الولايات المتحدة وكفاءتها ويغيِّر مسار تراجع النفوذ والأهمية عبر المحيط الأطلسي، وأضاف: على العكس من ذلك، فإن انتصار بوتين، حتى بتكلفة باهظة للروس والأوكرانيين على حد سواء، من شأنه أن يسرع من التراجع الغربي كممثل عالمي فعَّال.
واستطرد: كتب وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر في كتابه «النظام العالمي» أنه لا يوجد نظام عالمي حقيقي على الإطلاق.
ونقل عنه قوله: ما يمر بالنظام في عصرنا تم ابتكاره في أوروبا الغربية منذ ما يقرب من 4 قرون، في مؤتمر سلام بمنطقة ويستفاليا الألمانية، تم إجراؤه دون مشاركة أو حتى إدراك معظم القارات أو الحضارات الأخرى، على مدى القرون التالية، انتشر تأثيره.
وأردف الكاتب: بالتالي، فإن السؤال ليس ما سيكون عليه النظام العالمي الجديد، ولكن بالأحرى ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة وحلفائها، من خلال ما يحدث في أوكرانيا، سيبددون مكاسب القرن الماضي كخطوة أولى نحو تأسيس أول نظام عالمي حقيقي.
فشل مأساوي
وتابع شومان قائلا: أخبرني مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق ستيفن هادلي أن هذا الجهد كان المحاولة الرابعة نحو النظام الدولي في القرن الماضي، وأضاف: المحاولة الأولى بعد الحرب العالمية الأولى، من خلال معاهدة «فرساي» وعصبة الأمم، فشلت بشكل مأساوي، وبدلاً من ذلك، تعرّض العالم للفاشية الأوروبية، والانعزالية الأمريكية، والأزمة الاقتصادية العالمية، وملايين القتلى من الهولوكوست والحرب العالمية الثانية.
ومضى يقول: بعد الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة وشركاؤها أكثر نجاحًا بشكل كبير، حيث قاموا ببناء ما أصبح يسمى «النظام الدولي الليبرالي» من خلال خطة مارشال ومؤسسات جديدة متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وحلف شمال الأطلسي، والجماعة الأوروبية للفحم والصلب التي شكلت مخططًا للاتحاد الأوروبي، وغيرها.
واستطرد: جاء الجهد الثالث بعد انتصار الغرب في الحرب الباردة. ظهرت الديمقراطيات الأوروبية أو تمت استعادتها، وتم توسيع حلف الناتو، وتوسع الاتحاد الأوروبي، وبدا لبعض الوقت أن القواعد والممارسات والمؤسسات التي تطورت في الغرب بعد الحرب العالمية الثانية وأثناء فترة الحرب الباردة يمكن أن تستوعب وتوجه نظاما دوليا موسعا، استفادت الصين من هذا الأمر واحتضنته لبعض الوقت.
وأشار إلى أن الذي كان يتآكل منذ عدة سنوات هو التزام قادة الولايات المتحدة بالدفاع عن هذا النظام الدولي الموسع ودعمه ودفعه، وهو ما سمَّاه كيسنجر «نظام تعاوني يتوسع بلا هوادة من الدول التي تحترم القواعد والأعراف المشتركة، وتحتضن الأنظمة الاقتصادية الليبرالية، وتتخلى عن الغزو الإقليمي. واحترام السيادة الوطنية واعتماد أنظمة حكم تشاركية وديمقراطية».
نمو التناقضات
وأضاف الكاتب بالمقال المنشور على شبكة «سي إن بي سي»: نادرًا ما كانت قيادة السياسة الخارجية للولايات المتحدة متسقة، لكنها كانت كذلك بشكل ملحوظ بعد الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية الحرب الباردة، منذ ذلك الحين، نمت التناقضات، وأكدتها إستراتيجية الرئيس السابق باراك أوباما «القيادة من الخلف» ورؤية الرئيس السابق دونالد ترامب «أمريكا أولاً».
وأوضح أن كليهما، بطريقتهما الخاصة، كانا بمثابة تراجع عن الرئيس السابق هاري ترومان وهيكل ما بعد الحرب العالمية الثانية والقيادة العالمية الأمريكية التي أسسها واحتضنها.
ومضى يقول: في الشرق الأوسط، تقوم دول مثل السعودية والإمارات، والتي كانت في يوم من الأيام أقرب حلفائنا، بالتحوط في رهاناتها، بعيدًا عن الخلافات الإيرانية، يثير فشل ترامب في قبول هزيمته الانتخابية شكوكًا بين أصدقائنا حول ديمومة النظام السياسي واتساق السياسة الخارجية الأمريكية.
وأردف: ما هو أبعد من ذلك، أصدقاؤنا في الشرق الأوسط مستاؤون من توصيف إدارة بايدن للمنافسة العالمية الناشئة على أنها تنافس بين الديمقراطية والسلطوية.
ولفت إلى أن قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بالإفراج عن 180 مليون برميل من النفط من الاحتياطي الإستراتيجي الأمريكي، وهو أمر غير مسبوق، بأن شركاء الولايات المتحدة التقليديين في إنتاج النفط لم يكونوا مستعدين لمساعدته.
ونوه إلى أن القرار جاء بعد ساعات من تجاهل منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) دعوات ساسة غربيين لضخ النفط بشكل أسرع، ورفض أي اقتراح بضرورة إخراج روسيا من المنظمة.
وتابع: لتشكيل النظام العالمي المستقبلي، تحتاج الولايات المتحدة وأوروبا أولاً إلى تغيير مسار الانحدار الغربي والديمقراطي في أوكرانيا.