[email protected]
لغة العقاد «كما أرى» في شعره ونثره تنطوي تحت مفهوم «تحليل الكلمة»، إن جاز التعبير، بمعنى أنه كان ينادي ويشدد على وعي الكاتب المتكامل لجوانب الكلمة، فلا يقولها جزافًا، أي أن تتمتع الكلمة بحرية تؤدي إلى إنعاشها، لا حرية تقذف بها في متاهات الطلسمة والغموض، ولعل ما يفسّر ميله إلى هذا المفهوم «التحليلي» إعجابه بأدب المنفلوطي، فهذا الأدب في عُرف العقاد كان يتمتع بجزء غير قليل من حرية الكلمة والفكر، ولقد حفل العقاد باللغة، ولكنها كانت «لغة شاعرة» وقد أخضع هذه اللغة لكتاباته النثرية في النقد والتاريخ والفلسفة، ولكن كلمات هذه اللغة رغم رونقها وسحرها الآسرين لم تكن ذات سلطان مطلق مما أبعدها عن التحليل الفكري المنطقي وزجّ بها في أحضان الخيال والتهويم، وهي لم تكن كذلك على الإطلاق، وهنا مكمن الخلاف بينه وبين خصومه في عصره، وبينه وبين قرائه أيضًا، فهو يرى أن اللغة الشاعرة ليست ذات سيادة محددة لا يمكن التمرد عليها، بمعنى أن الخيال لابد أن يحمل فكرًا، ولابد أن يحمل الفكر خيالًا، فليس هناك تمييز إذًا في لغة العقاد بين الفكر والخيال، أو بين العاطفة والخيال، أي أنه يؤمن بأن الخيال في حد ذاته يتمتع بأبعاد فكرية فلسفية، أو هكذا يجب أن يكون.
أنشطة اللغة «الشاعرة» عند العقاد ليست محصورة داخل العاطفة وحدها، أو داخل الفكر وحده، أو داخل الخيال وحده، ولكنها توليفة من هذه المسارات كلها، بمعنى أنه لا يفرّق بين «البديهة» بمعناها اللفظي وبين «السليقة»، أو بين البديهة والفكر، فليست ثمة فوارق بين الجوانب الإحساسية والتأملية داخل العمل الأدبي، وهو «تكامل» لم يتذوقه الكثيرون ممن عاصروا العقاد، فهاجموه، بل هاجموا رأيه في «المعاني الغنائية» المتماوجة في القصيدة، فبعضهم يرى أنها محددة داخل أطر ترتبط بالمعنى العام للقصيدة ذاتها، أما هو فيرى في هذا التحديد فهما قاصرًا يحد من نشاط الكلمة ويدفع الى «تقييدها».. ولقد وصم شعر العقاد بالعجز عن استيعاب معطيات العصر ومؤثراته تبعًا لهذا الفهم، ولو أن الواصمين توقفوا عند موقف العقاد من نشاط الكلمات داخل اللغة لاكتشفوا أنه يدعو لتحرير الكلمة من قوالبها الجامدة، مما زجّ بمن يستخدمون الكلمات ذات الجانب المبهر الواحد في مأزق السرف والتكرار.
[email protected]
[email protected]