ومما يدعو للغرابة أنه ومنذ قديم الأزل، لا يزال معظم الناس يشعر دوما بأن معيار السعادة هو المال، وعليه فمن ملك المال فقد ملك السعادة وكان ذا حظ عظيم، (فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم). لا شك أن المال هو عصب الحياة، وطريق لتحقيق ما تتمنى النفس وتصبو إليه، ولكن السعادة التي يشتريها المال ما هي إلا سعادة لحظية، ما تلبث أن تذهب بمجرد الحصول على ما رغبت فيه، أما السعادة الحقيقية فهي في الرضا بما قسم الله لنا ولو كان بسيطا ومتواضعا.
والسعادة الحقيقية كذلك، في أمور لا يشتريها المال والجاه، كلذة عبادة، ورضا الوالدين، وصلاح زوجة، وسند أخ، وعطف أخت، وبر أبناء، ودعوة محتاج، وابتسامة يتيم، وغيرها من الأمور السامية التي لا تقدر بثمن.
ومن الواضح أننا نهتم في حياتنا بتوفير الوسائل ونهمل الغايات، فنهتم بالمستشفى قبل الصحة، وبالسرير الوثير قبل النوم، وبالسرعة قبل السلامة، وبالمال قبل الاهتمام بمصدره.
الحياة عبارة عن أقداح مختلفة في الشكل والقيمة، ولكنها تحوي نفس النوع من القهوة، فمهما اختلفت أقداحها، سيبقى لها ذلك الطعم الذي يحصل عليه الجميع دون فرق.
قال الشاعر:
تصفو الحياة لجاهل أو غافل
عما مضى فيها وما يتوقع
ولمن يغالط في الحقائق نفسه ويسومها طلب المحال فتطمع
@azmani21