الخصلة الأولى هي (التغافل)، التي أغرد بها مرارا على توتير، حيث أقول: «التغافل هو السهل الممتنع!»، والسبب أن الأحداث اليومية من حولنا كثيرة ومتباينة سواء في المنزل أو العمل، والأحاديث والمواقف متعددة في المجالس والاجتماعات، وفي كل ذلك نحتاج فيها إلى الكثير من التغافل! ولكن المحظوظ والفائز هو مَن يستطيع أن يطبقها على أرض الواقع.
وأما الخصلة الثانية، فهي (الصبر)، التي أجدها تحتاج لمران وتكرار لاكتسابها. صحيح أن تذكير النفس ببعض نتائج وعاقبة الصبر مهمة، وكذلك الاستعانة ببعض الآيات والأحاديث والأقوال والحكم يشجعها على محاولة إتقان هذه الصفة. لأنها فعلا تحتاج إلى عزيمة وإصرار، وإلى بذل جهد فكري وبدني معا.
ولاحظوا معي أن هاتين الخصلتين (التغافل والصبر) متداخلتنا مع بعضهما البعض. فبدون الصبر لن يحصل التغافل! وبدون تغافل لن نتعلم الصبر. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام لأشج عبدالقيس: «إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم، والأناة». وهما (الحلم والأناة) تؤديان حتما إلى إتقان التغافل والصبر.
وأما لماذا أطرح هاتين الصفتين في شهر رمضان الكريم؟! لأني أولا اتفق مع المفكر عباس محمود العقاد -رحمه الله- حين قال: إن شهر رمضان هو شهر الإرادة. وثانيا اتفق كذلك مع الفيلسوف المتشائم الألماني شوبنهاور في أن الحياة كلها (إرادة). فهذا الشهر هو فرصة مواتية جدا لتطبيق إرادة التعلم والتدريب على (التغافل والصبر). فحين يصبر الإنسان عن الطعام والشراب وشهوة الجسد من أجل أنها طاعة وعبادة، لعله في أثناء ذلك أن يستفيد من اكتساب أو بالأصح يحاول تطوير أو رفع نسبة التحمل بأعلى مما كان عليه من قبل! نعم، أننا نحاول كثيرا، ولكن لا يعني أننا نتوقف عن المحاولة.
الأمر الآخر أن كل شخص منا يحتاج إلى هاتين المهارتين في كثير من المهام والأدوار اليومية سواء كنا آباء، أو أمهات، أو مسؤولين، أو رؤساء ومرؤوسين، بل حتى قادة المركبات في زحام الطرقات يحتاجون إلى تلك الخصلتين!
وعلاوة على ذلك، فالحياة العصرية إيقاعها سريع جدا جدا. ولاحظوا معي أن كل الأجهزة الذكية والحواسيب، التي نستخدمها تزداد سرعة يوما بعد يوم، فهل ذلك يؤثر سلوكياتنا وطباعنا تبعا؟!، وبالإضافة إلى جبلة (وكان الإنسان عجولا). فالعجلة تقلل درجة الصبر، وتجعل التغافل أمرا صعبا!
وكما بدأت المقال أود تذكير أولئك الذين يمتلكون تلك الصفتين أن يحمدوا الله كثيرا عليهما، لأنهما نعمتان ثمينتان في زمن كل شيء فيه من حولنا يجري جريا. وأما أولئك الذين يحاولون (من أمثالي) فأتمنى أن يوفقوا لزيادة الحصيلة منهما، فالمهم أن نظل نحاول! ولو في بعض المواقف البسيطة اليومية. والواقع أن الكثير من الأحداث والمواقف هي من الصغائر، وكما قال ريتشارد كارلسون في كتابه (لا تهتم بصغائر الأمور فكل الأمور صغائر).
اتفق معكم أن التنظير غالبا سهل، والتطبيق له صعوبة، ولكن قد ينتج عنه لذة الفوز ولو لمرة واحدة في اليوم!
abdullaghannam@