الشعوب العربية، والإسلامية تحتفل كل عام بحلول الشهر الكريم شهر رمضان المبارك، ومن تجربتي المتواضعة أن صمت أكثر من رمضان في غير قطر عربي، أو أجنبي وجدت أن رمضان كشهر فضيل، وله خصوصية أمر موحد ربما عند جميع المسلمين، وتبقى هناك الفروق البسيطة والجانبية، التي تعطي لكل مجتمع عربي وإسلامي ذاك والطعم والتعاطي الخاص مع الشهر الكريم.
في الجمهورية التونسية، قدر لي الرحمن أن أصوم أكثر من رمضان على طول إقامتي، التي امتدت هناك لسنوات خمس، وأتاحت لي الظروف بحكم علاقات بالأشقاء هناك في مختلف المستويات الاجتماعية، والثقافية، والمهنية أن ألمس خصوصية هذا الشهر الكريم بين أهالي تونس على العموم، ومن تلك الخصوصيات، وربما أبرزها أنهم في تونس يتعاملون مع رمضان كشخص أو شيء غير الشهر، وغير الزمن، فهو لديهم «سيدي رمضان» وفيه يقبل الناس بشكل لافت على زيارة الأراضي المقدسة، مكة والمدينة المنورة، وهذا بطبيعة الحال للقادرين، ولمَن يسمح لهم الوقت، حيث إن الأعمال الاعتيادية في القطاعين الخاص، والعام هناك تبقى كما هي في النظام ومع ذلك تكون هناك وتيرة تتبع في شهر رمضان تراعي خصوصية الشهر، وطبيعة الأفعال التي يكثر منها الناس في رمضان. ومن العادات الجميلة هناك أن الناس رجالا ونساءً، وحتى كبار السن يقومون بعملية تنظيف وترتيب للمساجد والجوامع بوقت كاف قبل حلول الشهر لتستقبل المصلين للصلوات العادية المفروضة ولصلوات التراويح، والقيام أيضا، وفي أيام الجمع على نحو خاص وبعد خروج الناس من صلاة الجمعة غالبا ما يقف عند أبواب الجوامع رجال، ونساء يوزعون ما تجود به نفوسهم، كصدقات، عنهم وعن عوائلهم وأسرهم، حيث يوزع السكر، والأرز، والمواد الأخرى خاصة تلك التي تستهلك بشكل كبير في هذا الشهر الفضيل. وخلال هذا الشهر المبارك اعتاد بعض الناس على إقامة حلقات ذكر في منزله أو مزرعته، وذلك بأن يدعو مجموعة من الناس لتناول الطعام بعد الإفطار، ومن ثم تناول القهوة والشاي المزين بحبات الفستق، واستثمار الوقت في قراءة القرآن وتلاوة الأذكار، والإكثار من الاستغفار والصلاة على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبالمناسبة من الملاحظات أن الناس هناك يقرنون ذكر النبي -عليه أفضل الصلاة والسلام- بكلمة «سيدي» فيقولون بشكل طبيعي وتلقائي:
- سيدي النبي.
أو:
- سيدي الرسول.
حتى إن هناك أنشودة دينية مشهورة لديهم في تونس يقول مطلعها:
- صل على سيدي النبي، ألفين صلاة ما تكفي..
ويكثر الناس من ترديدها في السهرات الرمضانية، التي تقام عادة وكما لاحظت أثناء إقامتي هناك في الأحياء القديمة، وفي المراكز الجهوية. في البلاد التونسية كغيرها من بلدان العالمين العربي، والإسلامي يهتم الناس بتوفير أطعمة أصبح من التقليدي ارتباطها بشهر رمضان، من ذلك على سبيل المثال شوربة السمك المفضلة في رمضان، ويسمونها شربة الحوت، وهو نوع خاص من الأسماك يتميز بلحمه الخفيف والطري. في الأيام العادية يتداول الناس كلمة شهية طيبة عندما يكون الوقت قريبا من ساعات الغداء، أو العشاء، ولكن في رمضان تضاف كلمات جديدة لا تقال إلا في هذا الشهر المبارك مثل قولهم:
- صح فطورك.
وهذه تقال بعد تناول وجبة الإفطار عادة، ويكون الرد عليها في الغالب بقولهم:
- صح شريبتك.
ويبقى المظهر الأعم والأغلب في البلاد الإسلامية المتمثل في اللقاء بين أفراد الأسرة واجتماعهم في هذا الشهر الفضيل.
@salemalyami