وعلى مقربة من اليابان وقفت الصين موقفا مماثلا من الغرب غير أنه كان أقل شراسة. وقد عرفت الصين تاريخيا بحمائيتها، وما قصة تدميرها لأسطولها البحري، الذي يجمع المؤرخون على أنه كان الأكبر في التاريخ بقيادة ربانه المسلم «زنغ هي» بعد عودته من رحلاته البحرية، التي قادته إلى سواحل الصومال، في القرن الخامس عشر، إلا دليل على ذلك. وعندما رفضت الصين التعامل مع الغرب دخلها الغرب عنوة. وبعد أن وجدت أنه لا مناص من التعامل بواقعية مع الغرب ها هي الصين اليوم تقارعه على كل المستويات.
أما الهند ولأسباب يطول الخوض فيها تتعلق أساسا بالتكوين الاجتماعي للمجتمع وتأثره الشديد بالهندوسية، فقد أصبح صيدا سهلا لموجة الاستعمار الكاسحة، التي اجتاحت العالم بعد سقوط حكم المغول. غير أنها هي أيضا تصالحت بطريقة هندية بحتة جعلت منها اليوم قوة جيوسياسية واقتصادية صاعدة.
ماذا عن العالمين العربي والإسلامي؟. للتاريخ له كلمته في هذا السياق. لعل الأمويين هم أول من وجدوا أنفسهم على خط تماس مباشر مع الغرب البيزنطي آنذاك. انظر إلى قبة الصخرة البناء الأقدم والأكمل والأكثر رمزية في العمارة الإسلامية. هنا نهل الأمويون من الإرث البيزنطي في البناء وحولوه إلى بناء إسلامي لم تتجاوزه العمارة الإسلامية مذ ذاك الزمن، بالرغم من مرور ما يزيد على 13 قرنا هي عمر الحضارة الإسلامية. هذا التعامل الحضاري مع الغرب، هذا الانفتاح على الروم استمر في عهد الأغالبة في تونس، انظر فقط إلى قصر العزيزة في مدينة باليرمو في جزيرة صقلية لتقف على إحدى الثمرات اليانعة للتبادل الحضاري بين العرب والبيزنطيين آنذاك. وربما كانت بلاد الأندلس هي المثال الأوضح في هذا السياق.
هذا التعامل الحضاري والانفتاح الواعي بذاته، المدرك لأهدافه ومقاصده، كان يستند على قيم حضارية مستمدة من طبيعة بناء الأمم والحضارات وهو موقف سجله القرآن الكريم في قوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير). صدق الله العظيم. والخطاب هنا موجه لكل البشر وليس للمسلمين وحدهم فقط.
إن التقدم المادي، الذي حققه الغرب خلال مسيرته الطويلة لا يعني انتقاصا من الثقافات الأخرى لكي تتم محاربته، فالحضارة نهر جار، الكل يساهم فيه بقدر معلوم. وإذا كانت الصين واليابان والهند بعيدة عن الغرب، فإننا نظرا للجوار الجغرافي للغرب أولى بالتعامل الحضاري معه، فالغرب هو الجار القريب ومن الصعب إن لم يكن من المستحيل الانطواء في عزلة حضارية ذات تكاليف حضارية باهظة.
[email protected]