منها أنه عند النهايات ترتسم ملامح الوجوه بين نقيضين، فتور وتعب أو مثابرة ونشاط. ولذلك تبرز أهمية القاعدة الشهيرة: أن تبدأ والنهاية في ذهنك. فأولئك الذين اعتادوا في حياتهم أن يضعوا أهدافا واضحة وقابلة للقياس يسهل عليهم أمر النهايات فضلا عن حسن البدايات. وبدون هدف يصبح الطريق كله تسويفا وأماني. صحيح أن العبرة بالخواتيم، ولكنهم أيضا يقولون: «من كانت بداياته محرقة، كانت نهاياته مشرقة».
ومنها: أن «ما لا يدرك كله لا يترك جله»، ففي نهايات شهر رمضان تتلألأ أيام العشر الأواخر، حيث فضلها كبير ومنزلتها رفيعة. وفيها «ليلة القدر» وهي خير من ألف شهر «83 سنة».
ومن نافلة القول، إن الفرص في الحياة «كمواسم الخير» قد لا تعود مرة أخرى، ومن الذكاء والفطنة اغتنامها. وقد قال عليه الصلاة والسلام: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك».
ومن الجدير بالإشارة إلى النفوس البشرية يعتريها الهمة والفتور، والنشاط والخمول، ومن هنا تأتي جماليات هذا الدين العظيم، حيث التنوع في الطاعات والعبادات لتنشيط العقول والأبدان ما بين صلاة وصوم ودعاء وذكر وصدقة. وقد جاء في الحديث النبوي الشريف: «إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة». والشرة هي النشاط والحرص، والفترة هي الخمول والكسل! وأعتقد أن العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم تبعث على «الشرة» لأنها أيام وجيزة وفاضلة.
وأما من الناحية العاطفية، فلا مناص من الاعتراف بأنه حتى مع تكرر قدوم شهر رمضان يظل هذا الشهر يثير المشاعر والعاطفة، ويمتلك أجواء عطرة وروحانية خاصة، وهو شهر لا مثيل له، ويتفرد شكلا ومضمونا. ولأنه مؤثر عاطفيا فقد أثار حفيظة الشاعر أحمد شوقي -رحمه الله- نثرا! حيث قال في كتابه «أسواق الذهب»: «الصوم حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع، لكل فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة، يستثير الشفقة، ويحض على الصدقة، يكسر الكبر، ويعلم الصبر، ويسن خلال البر، حتى إذا جاع من ألف الشبع، وحرم المترف أسباب المتع، عرف الحرمان كيف يقع، والجوع كيف ألمه إذا لذع». والشيخ الأديب علي الطنطاوي -رحمه الله- يصف الشهر فيقول: «إن رمضان شهر صفاء وحب وتأمل، وترفع عن المادة وأوضارها، وعن شهوات النفس وأوزارها، وإعراض عن مشاهد الطريق، للتفكر في غاية الطريق».
وحتى لا نغفل عن الواقع، فإن من الملاحظ أن نمط الحياة العصرية الحالي مزدحم بأنواع من الأعمال والنشاطات والارتباطات والملهيات، بالإضافة إلى أن الأجهزة الذكية واللوحية ومواقع التواصل الاجتماعي لا تنفك عنا في كل وقت وحين! وبناء على ذلك معرفة الأهم من المهم، وترتيب الأولويات هو العمل الأصوب، خصوصا في الأيام والأوقات الفاضلة، فهو من حسن التدبير والتوفيق.
وبالمختصر المفيد: «العبرة بكمال النهايات، لا بنقص البدايات»، كما نقل عن ابن تيمية -رحمه الله-.
abdullaghannam@