وحينما نتحدث عن القيادات التعليمية في التعليم العام فإننا نقف على وجود فجوة في الاستثمار وانعدام بعد قيادي يرصد واقع القادم، ومن هؤلاء مديرو التعليم من أصحاب الكفاءات المميزة والقادرة على العطاء لسنوات قادمة إلا أن الواقع في استثمار مثل هذه القيادات لا يزال يبحث عن حلول تتوافق مع الخبرات والإمكانات في الاستفادة منها، إلا أنهم يقفون على عدة اتجاهات منها لا مجال له إلا التقاعد، والبعض يتخذ صفة المستشار سواء في إدارة تعليمية أو ديوان الوزارة أو إحدى الجامعات.
وقد جعلت هذه المحدودية في الاتجاهات هو انتشار ثقافة ماذا بعد التكليف في العمل القيادي؟ وكيف ستكون الوجهة والتوجه من خلال معايير الخروج قبل الدخول في قبول قرار العمل القيادي؟ وأنا هنا لا أتحدث عن مبررات الإعفاء أو التنحي بقدر ما أتحدث عن قيادات تعليمية تستحق أن تأخذ مسارا يتوافق ويتجدد مع الرؤية والطموح بخلاف القناعات والاقتناعات الشخصية والمبررات المعلبة الجاهزة التي ليس لها تاريخ صلاحية لكنها تكون وفق غياب ما يلزم معرفته.
ومن الثقافة الجميلة والمنتشرة في بيئة التعليم العالي هو تحديد التكليف بمدة محددة والتمديد لفترات معينة حيث تجد وكيل الجامعة أو العميد وربما حتى مدير الجامعة يمارس التدريس والإشراف على الرسائل العلمية والمشاركة في مناقشة الرسائل والبحوث العلمية والنشر في المجلات العلمية، وقد أوجدت هذه الثقافة مسارا صحيا وأثرا نفسيا واجتماعيا وهي مراحل طبيعية تساعد على خلق الأجواء التنافسية في التكامل والتعامل والقبول في كل المتطلبات.
ويبقى مسؤولو الجامعات مصدرا ومنبعا من المعرفة والخبرة المستفادة في الاستشارات، والتي تعزز العمل التكاملي، خاصة أن القيادة ليست حصرا على أحد إنما هي فطرة ومهارة وقدرة على قيادة فريق العمل بتحقيق المنجز دون ربط المنجز بأشخاص.
إن المعيارية وقياس الكفاءة والإنتاجية هي التي تحكم خاصة أننا نعيش في حاضر مزدهر برؤية واعية تركز على الشفافية والاستثمار الأمثل للقيادة الواعية؛ لأن الوطن يستحق منا الكثير، وأن هذه البلاد الوفية بقادتها ورجالها هي ولادة للكفاءات المميزة.
ماذا قبل؟
حينما تكون هناك قراءة واقعية لمثل هذه القيادات التي مارست وعملت وأفنت من رحلتها في التعليم العام، وتحمل كما تراكميا من الخبرة الإدارية والميدانية أن تأخذ جانب الشروع في دراسة كيف يمكن الاستفادة منها إداريا وثقافيا واجتماعيا؟
وأما بعد..
والواقع يلزمنا أن نقول: استثمار القيادات بعد انتهاء التكليف إلى أين؟
ومن القرارات الاعتبارية التي صدرت حديثا من قبل معالي وزير التعليم إنشاء وحدة تسمى استقطاب القيادات وهي وحدة مرتبطة بالوزير مباشرة وتعتبر خطوة مميزة في الاتجاه الصحيح والمقنن الذي يمثل بعدا يركز على وجود البديل الجاهز والمنافسة والكفاءة المتقنة لوزارة ولاّدة للقياديين.
باستثمار منصة قادة المستقبل التي تمثل قيمة معلوماتية ومعرفية لمن لديه الرغبة، وهي فرصة مناسبة للكثير في استثمار ذاته وأن يتلمس احتياجه لرفع كفاءته، كما أنها تسحب البساط من نفوذ من شاخت قدراته وتعطلت رغبته في الإنجاز، وهي - بلا شك - تحقق العدالة والحق المشاع للجميع في العمل القيادي، وتبعد سطوة العلاقات في تقديم المستحق.
ونتطلع من وحدة استقطاب القيادات أن تقرأ الواقع بعين البصيرة التي ترسم لنا منهجية الاستحقاق في معالجة الفرص والتمكين فهناك من أمضى أكثر من وقته واستحوذ على أكثر من فرصة، ونتطلع أن نتجاوز الرضا والقبول إلى المنجز والمعيارية التي تفصل بالاستحقاق والاستمرار.
كما نتطلع أن يتم تحديد المدة المستحقة للقيادات ونشر مفهوم المهمة كما هو واقع في التعليم العالي والاستفادة من القيادات التربوية التي انتهت مهمتهم بما يحقق تقدير الخبرة ومكانة العطاء ووضوح الأهداف! وما الذي يمنع من ترسيخ مفهوم الشفافية؛ لأننا جميعا نخدم وطنا يستحق التفاني!
إن العمل بكل أبعاده وجوانبه لا يخلو من الخطأ ولا ينجو من التقصير خاصة في الأعمال التربوية التي تستهدف الإنسان تربية وقيما وسلوكا، وهو الجانب المضيء لنا في تكريس مفهوم تقدير القيادات التي تركت أثرا وقيمة في تكريمهم بما يستحق، وفق التطلعات والآمال المنشودة.
إن وجود وحدة استقطاب القيادات ومنصة قادة المستقبل هي خطوات يشكر عليها معالي وزير التعليم لتحديد المسار الأسلم والوصول الأنجح والقيمة المثلى في الوصول إلى الأنسب والمستحق والأنفع، لقيادة تربوية ترتقي وترتفع بنا نحو السمو والتألق، ولمعالجة الكثير من المشكلات، والسير نحو المعالي لأفق أرحب ومجال أوسع وبيئة تعليمية تصل بالوطن لمصاف الدول المتقدمة.
Twitter: @Alsuhaymi37