ربما يكون الحديث عن هدر الطعام حديثا مكررا ولكن المناسبة التي اقتضت العودة للحديث عن هذه العادة التي ما زالت للأسف ظاهرة في أكثر مجتمعاتنا الشرقية وفي مجتمعنا على وجه الخصوص، لا سيما وأن ذلك يستمر بل يزداد في شهر رمضان المبارك الذي ينبغي أن يكون مناسبة للحد من هذا السلوك، وكذلك في وقت ترتفع فيه أسعار المواد الغذائية عالميا ومحليا انعكاسا لما يسود العالم من أزمات أدت إلى نقص في إمدادات الطعام الأساسية حيث تشكل الدول التي تحدث فيها الاضطرابات مصادر هامة لها مما أدى إلى شح في هذه المواد وارتفاع أسعارها، وإن كنا في هذه البلاد والحمد لله أقل تأثرا بسبب حرص الدولة -أيدها الله- على توفيرها إلا أن ذلك يوجب علينا كمسلمين ثم كمواطنين أن نحافظ على النعم التي أنعم الله بها علينا لأن ذلك مما يأمر به الشرع الحنيف والفطرة السليمة، وهو من شكر النعم الذي يؤدي إلى استمرارها ودوامها. ومن المؤسف أن تطالعنا الصحف بأن قيمة الهدر الغذائي بالمملكة تجاوز أربعين مليار ريال سنويا كما صرح مدير برنامج الحد من الهدر في الغذاء في مداخلة مع قناة الإخبارية مبينا أن الأرز يتصدر قائمة الهدر يليه الدقيق، ولا يتوقف الهدر عند هذه العناصر بل بصورة غير مباشرة مدخلات إنتاجها كالماء والأراضي والطاقة والموارد البشرية وغيرها.. ويستمر ذلك مع وجود البرنامج الوطني للحد من الفقد والهدر في الغذاء الذي يستهدف الوعي بأهمية التنويع الغذائي والمساهمة في زيادة مصادر البروتين اللازم للإنسان، ومع وجود هذه الظاهرة وانتظارا لوصول برامج التوعية إلى أهدافها في ترشيد استهلاك المواد الغذائية الأساسية فإنه يجب التعاون مع الجمعيات الأهلية الموجودة في سائر مناطق بلادنا والتي تهدف إلى توظيف ما يزيد عن الحاجة من الغذاء بديلا لهدره ورميه في الحاويات، والاستفادة منه من قبل الفئات التي هي بأشد الحاجة إليها مثل جمعيات حفظ النعمة وحفظ الطعام وغيرها والتي يتولى فيها متطوعون جمع هذه المواد وتصنيفها وتخزينها ونقلها بطرق آمنة تكفل المحافظة عليها وتوصيلها لمستحقيها صالحة للاستهلاك، وهي تملك اليد العاملة المدربة، وإمكانيات النقل والتخزين المناسبة كما أنها تملك قاعدة بيانات عن المحتاجين في نطاق عملها والخطط التي تضمن وصولها إليهم في الوقت المناسب إضافة إلى ما يوجد لدى هذه الجمعيات من إمكانيات في تقديم الخدمة سواء للجهات التي تتوافر لديها هذه المواد الغذائية مثل الفنادق والمطاعم وأصحاب الولائم والمناسبات وحتى الأسر القادرة التي ندعوها جميعا للتنسيق مع جمعيات حفظ النعمة والمحافظة على الطعام وغيرها من أجل إيصال الفائض إلى من يستحق في الوقت المناسب مع الحرص دائما على ترشيد الاستهلاك أصلا والدقة في تقدير الحاجة من الطعام وعدم المبالغة في الكميات حتى لا يتحول ذلك إلى هدر لا يستحسن أن يكون موجودا بينما يبحث أناس في أماكن كثيرة عن اللقمة فلا يجدونها، وأن نتذكر دائما أن المحافظة على النعم سبب لدوامها -بإذن الله- والحمد لله رب العالمين.
@Fahad_otaish