ظل هذا المصطلح حبيساً لأرض المعارك حتى العام 1920م عندما ظهر أول نموذج للتخطيط الإستراتيجي في إدارة الأعمال وسُمّي بنموذج هارفارد، ويتضمن هذا النموذج المبديء مجموعة من التنظيمات والقرارات والسياسات لتقديم المنتجات والخدمات المطلوبة محققة التوازن الإستراتيجي بين الموارد المتاحة والبيئة. بينما شهد العام 1950م استخدام آليات عمل التخطيط الإستراتيجي في مجال الصناعة أيضاً، وبعد ذلك بدأ الاهتمام وبشكل ملحوظ لدى العديد من منظمات القطاع الخاص بشتى أغراضها في توظيف هذه الأداة الفعالة في أنشطتها المختلفة، ولم يقتصر استخدام منهجيات التخطيط الإستراتيجي على القطاع الخاص فحسب، ففي العام 1980م تبنت بعض منظمات القطاع الحكومي هذه الأداة أيضاً، وأصبح التخطيط طويل المدى وهو التعبير الآخر لمفهوم التخطيط الإستراتيجي يمثل ركناً ركيناً لدى جميع المنظمات الحكومية والخاصة، وقد استمر التوسع في انتشار وتطبيق هذا المفهوم حتى لا تكاد تخلو أي منظمة في يومنا هذا من وحدة إدارية هيكلية تعنى بالتخطيط الإستراتيجي.
وصاحب هذا الاهتمام الملحوظ جهود مضنية من قبل المختصين لتطوير عملية التخطيط الإستراتيجي حتى ظهر لنا في أواخر القرن الماضي وبدايات الألفية الحالية آليات عمل التخطيط الإستراتيجي الحديث، بالإضافة إلى مفاهيم أخرى ذات علاقة بذلك مثل القيادة الإستراتيجية والفكر الإستراتيجي.
ويعرَف التخطيط الإستراتيجي الحديث على أنه تصميم المستقبل المأمول عن طريق الجهد المنظم الخاضع للتجربة العملية وتطوير الخطوات الفعالة لتحقيقه من خلال خطوات عملية متسلسلة، تبدأ بمرحلة إعداد وتجهيز جميع الإجراءات القبلية واللوجيستية الخاصة بالخطة، تليها مرحلة بناء الخطة ذاتها وهي جوهر عملية التخطيط، حيث تتضمن عدداً من العمليات أولها عملية تحديد الطموح ويقصد بها رسم رؤية المنظمة وتحديد رسالتها وقيمها، وهي بمثابة البوصلة، التي سوف تسيرعليها المنظمة نحو تحقيق مستهدفاتها بعيدة المدى، يلي ذلك مرحلة تحليل البيئة وصفياً وكمياً وتحديد العوامل المؤثرة عليها داخلياً وخارجياً، وفي هذه المرحلة يتم وضع تصور للفرص المتاحة والتهديدات المحتملة، التي سوف تعكس في المرحلة التي تليها على شكل أهداف محددة قابلة للقياس، فما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته وتطويره، وهذه الأهداف إما أن تكون بعيدة المدى (إستراتيجية) أو متوسطة المدى (مرحلية) أو قصيرة المدى (تنفيذية)، ولضمان التحقق من تنفيذ هذه الأهداف لاحقاً وفق المرغوب فيه وبناء على رؤية المنظمة يتم تصميم عدد من مؤشرات الأداء (KPIs) لقياس التقدم في تنفيذ الأهداف المحددة. وآخر مراحل التخطيط الإستراتيجي هي مرحلة التنفيذ ومتابعة ومراقبة الأداء المبنية على المؤشرات الموضوعة سلفاً والمؤطرة برؤية المنظمة، واتخاذ الإجراءات التصحيحية إذا لزم الامر وصولاً إلى أن تصبح الرؤية واقعاً ملموساً. ولإزالة اللبس بين مفهومي التخطيط والتفكير الإستراتيجي، فإن التفكير الإستراتيجي هو فن إدارة الواقع من خلال استشراف المستقبل، وهي مهارة تعد بمثابة بنية رئيسية للتخطيط الإستراتيجي.
ختاماً، فإن من متطلبات نجاح تنفيذ الخطة الإسترتيجية وتجاوز جميع معوقاتها وجود شخصية قيادية ذات صفات ابتكارية (القائد الإستراتيجي) يقوم على إدارة جميع عمليات التخطيط الإستراتجي، ويشارك في وضع وتنفيذ جميع قراراتها ويعمل على تكامل وتناسق جميع الأطراف ويعزز العمل الجماعي وهو المسؤول الأول عن نجاحها وفشلها لا قدر الله.
@abolubna95