لم تسلم المكتبات ومقتنياتها المختلفة من التدمير على مر العصور بدءاً من الحروب الصينية واليابانية مروراً بالمغول وغيرهم.
منها ما شهدته المكتبة الوطنية بعاصمة البوسنة والهرسك «سراييفو» إبان الحرب اليوغسلافية وانتهاء حقبة الاتحاد السوفييتي حينها، حيث شهدت تدميراً متعمداً وعدم السماح لفرق الإنقاذ والمواطنين بإخماد النيران والوصول لمحيط المكتبة مدة ثلاثة أيام لتقضي النيران على ما يقارب الـ 90 % من محتوياتها الثمينة.
وفقأ للكاتبة ربيكا نوث في كتابها «إبادة الكتب» رغبة الإنسان في التوثيق والتدوين تأتي من حاجته العميقة في تجاوز الفناء، حيث ترى أن حفظ الخبرة والعلم والمعرفة ضرورة ملازمة لنمو الأمم الثقافي.
الكتب حاملات الحضارة، فبدونها يصبح التاريخ معقود اللسان والأدب أخرص والعلم معوقاً والفكر والتأمل في ركود تام، ولكان تطور الحضارة مستحيلاً من دون الكتب، فهي محركات للتغيير ونوافذ مفتوحة على العالم – باربرا توكمان.
إن واقع منع الكتب ومحاربة النتاج الفكري والمعرفي أياً كان لم يتوقف على مر العصور، بل مستمر ويأخذ أشكالاً وطرق شتى، ولم يقتصر على الكتب فقط، بل تجاوزها للكتّاب والمفكرين أنفسهم بأساليب منها التحريض ورمي التهم بالزندقة والخرافة والردة.
مؤخراً طرح أحد الأعمال الدرامية مرحلة معينة وما شهدته من مناكفات وجدال حول الثقافة والهوية، ومما تم نقاشه والتعرض له بكثرة في تلك المرحلة الأطروحات الأدبية فيها، مع تباين وجهات النظر المختلفة لدى المتلقي والمشاهد لما تعرض له النتاج الفكري والثقافي في تلك المرحلة، وهل هو نابع من باب الأمر بالمعروف أو تدخل فيما لا يعني والوقوف ضد التنوع الفكري والمعرفي اللازم للنهوض بالمجتمع.
مشهد المفكر والأديب المتمثل بشخصية يوسف الطيّان يرسخ فكرة محاربة الفكر بطرق تأخذ منحى بعيدا عن النقد البناء، لأنها وفق المَشاهِد تنبع من دواخل أناسٍ امتلأت قلوبهم حقداً وغيظاً لمجرد كلمات هي من نتاج فكري معين، دون العودة لأسس النقد والأخذ والرد بين المدارس الفكرية المختلفة بعيداً عن الشخصنة والاتهام ومن ثم المضايقة.
إبادة الكتب آخذة في الاختفاء بينما إبادة الأفكار والقيم مستمرة ومتصاعدة، فقد لا يحتاج العدو لحرق المكتبات ولا منع طباعة الكتب، بينما يمرر ما يشاء من أفكار تنافي وتدمر كل أفكارك ومعتقداتك بوسائل هي من مقتنياتك الضرورية اليوم، فالحذر واجب والتحوط أوجب.
Uthman8899@