تقبل الله طاعاتكم، أتذكر دراستي في الجامعة، حيث كنا ندرس مادةً في اللغة الإنجليزية (Writing)، وهي معنيّة بمهارات الكتابة الصحيحة ككتابة الخطابات والمحادثات وأنواع المراسلات والتلخيص، وكان المحاضر يشدد على عدة نقاط من أهمها ما يكرره دائما (Don’t write too much ) ويقصد هنا لا تكتب أكثر من المطلوب لأنك كل ما كتبت أكثر بالتالي تزيد احتمالية وقوعك في الأخطاء أكثر كأخطاء الإملاء والأخطاء النحوية، ويأتي ذلك بعد أن لاحظ أننا من قوم (التشبير)، الذين يظنون أن المدرسين يصححون بالشبر أي كل ما كتبت أكثر كل ما حصلت على درجة أعلى، فالسؤال كان نصف سطر وجوابه سطران وكنا نجيب بخمسة وهذا الاعتقاد غير صحيح إطلاقا. مع الوقت أدركت قيمة هذه الملاحظة شيئاً فشيئاً ومع العمل والخبرة والتجارب تأكدت أنها صحيحة 100 %، فإن سُئلت سؤالا فأجب بمقدار السؤال فقط حتى إن كان جوابك ناقصاً سيُطلب منك المزيد من التوضيح فلا تقلق. كثير من المقابلات الوظيفية تُضعف درجتها كثرة الكلام وزيادة المعلومات، فسيرتك الذاتية التي أرسلتها حين تقدمت للوظيفة قد تمت قراءتها من المسؤولين، وعلى ذلك تم طلبك للمقابلة، فلماذا تعيد ما قرؤوه عليهم مرة أخرى؟ فهذا كلامٌ زائد. تأكد أن تُعطي المطلوب ولا تبادر بما لم يُطلب منك ما لم يكن هناك سبب يدعوك لذلك. بعض البائعين يُمطرك بمواصفات المنتج دون أن يسألك عن احتياجك منه وحتى إن قررت الشراء، فبعضهم يستمر في وصف المزيد حتى إن بعضهم قد لفت انتباه العميل بعد أن قرر الشراء إلى ميزة جعلته يغير رأيه ولا يشتريها. الكثيرون يظنون أن كثرة الكلام مفيدة ومؤثرة وهذا غير صحيح، فقليل من الكلام بكثير من الجود أثره أشد وأعلى فعالية، الديباجة الطويلة في المقدمات وافتتاح الموضوع والسجع والقافية لم يعد جاذباً، بل أصبح كما يقول المصريون «دأة أديمة» أتذكر في أحد الاجتماعات كانوا يرحبون بنا بقولهم أهلا بكم فقد كان لحضوركم أثر كمجرى الماء في الأنهار يُغير الأطوار من القحط إلى الاخضرار!! مع العلم بأن الاجتماع كان عملياً صرفاً. الحياة الآن أصبحت أكثر تسارعا وحيوية، وبالتالي تتطلب مباشرةً في كل شيء وليس مقدمة وخاتمة طويلتين أكثر من لُبّ الموضوع. ونحن في شهر رمضان نطلب الله كثيرا فبعضنا يقول اللهم اغفر لنا ولأهلنا وخالاتنا وأخوالنا وأعمامنا وعماتنا و و و و و و، ولو استبدلنا ذلك بعبارة جامعة كأهلنا وذوينا وجميع المسلمين لكان أعمّ وأفضل، ودعاء الأنبياء في القرآن الكريم خير دليل لنا قبل كل ما ذُكر، أيوب -عليه السلام- قال عبارة واحدة كانت كفيلة بالإجابة من الله: (أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر..)، وكذلك ذا النون حين قال: (فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فجاءته الاستجابة من الله: (فاستجبنا له ونجيناه من الغم..). ألقاكم الأسبوع المقبل وأودعكم قائلا (النيّات الطيبة لا تخسر أبداً) في أمان الله.
@Majid_alsuhaimi