في مجالس العزاء، ألمح نفس الوجوه الحزينة التي لو نطقت مشاعرها المخنوقة خلف ستار الألم لتكلمت عن بوح لا يمكن وصفه، وفي كل مرة تُفاجئنا الأقدار بفقدان واحدة من الأمهات الغاليات، وتنطفئ بفقدانها نور الحياة وضياؤها الساطع، ويغلق ذلك الباب الحاني والدعوات الصادقات، والحضن الدافئ الذي لا يعوض، وكما هو حال الدنيا التي لا دوام فيها إلا لله.. افتقدنا قبل أيام الخالة أم عادل الحربي، كان وقْع الخبر مؤلمًا حزينًا، فهي كأمهات ذلك الجيل الجميل، سماحة منظر، وطيب معشر، لم يشغلها إلا الذكر ومجالس القرآن وصحبة الأخيار، أُبتليَت بمرض لسنوات حتى توفاها الله، وحيث إن ابنتها هي إحدى صديقاتي المقرَّبات منذ الصغر، فقد كنتُ أتذكَّر حرصها اللافت على بناتها، وتربيتهن، فقد كانت ترافقهن مع السائق للمكان الذي يُردن، وتعود بهن، ولا يمكن أن تذهب الواحدة منهن دونها، رغم مشقة ذلك عليها، كما أنها لا تترك مجلسًا من مجالس الأمهات في مدارسهن إلا وكانت أولى الحاضرات، وكان نتيجة ذلك تفوُّق ملحوظٌ لأبنائها وبناتها وحفيداتها، فذلك الغرس الذي غرسته أثمر وأينع، ومع ذلك كانت حريصة على هِندامها وأناقتها، رغم كِبرها، وحقيقة كانت تلفتني كلما رأيتها بشخصيتها القيادية التي تضم بين جوانحها حنان الأم ومسؤولية الأب الذي عوَّضت فيه أبناءها بعده.
توفيت أم عادل الحربي، وصُلِّي عليها بعد صلاة الجمعة في أحد أكبر الجوامع بالمنطقة الشرقية، ونالت شرف ذلك اليوم، وتلك الساعة.. رحمها الله رحمة واسعة، وألهم أبناءها الصبر على فراقها.
وحيث إني أتجرع مرارة الفقد نفسه، فإني أخذت عهدًا على نفسي أن أشارك صديقاتي بعض المواساة، والتي كانت لي في وقتها ذات أثر بالغ لم أنسَه، فقد حرصت على الصلاة عليها، ودعوت أبنائي لمرافقتي، ودعونا لها جميعًا بذات المشاعر التي دعوت فيها لأمي.
تحويلة:
ونحن نستعد لعودة الحياة من جديد، بعد أخذ قسط من الراحة والاستمتاع بأجواء العيد، تصلنا الرسائل المحبطة، والتي تصوِّر العودة للعمل والمدارس بعودة ثقيلة كئيبة لا فائدة منها!!
وتبدأ حاسبة هؤلاء في عدِّ أيام العمل المنعوتة بالثقل!! والتأكيد على أيام الإجازات (الجميلة)!! للتخفيف على الكسالى ومواساتهم! ويتنافس أصحاب النكات والمقاطع في تجسيد تلك الفكرة بأبسط الصور؛ ليتمكن العقل الباطن من استيعابها، فإذا ما جاء اليوم الأول ذهب إليه الموظف والطلاب بتثاقل كأنما يساقون للموت!! والحقيقة أن المدارس والأعمال نعمة، والاستمتاع بأجوائها مع الأصدقاء والزملاء من أجمل اللحظات، ويكفينا فخرًا أننا نخدم أوطاننا في مجالاتنا التي وضعنا فيها، ونعمر الأرض التي أمر الله بعمارتها..
وكم من الناس مَن يتمنى أن يصحوَ مبكرًا في أجواء آمنة ليكسر جدار الكسل، ويعمل ويفخر بما ينتج.. فمتى نتداول رسائل التفاؤل التي تُعيدنا إلى أعمالنا بجدٍّ واشتياق؟
@ghannia