ووسط هذا الرواج أو حركة التموج لهذا المفهوم الجاذب عالميا، تكاد نسبة حضوره في الدراسات العربية أو الإعلامية أن تكون محدودة، مقارنة بحضوره في الاهتمام البحثي والإعلامي الغربي، مما لا يمنحه توهجا أو تداولا كافيا بيننا.
يضاف لذلك أنه وبسبب ورود مفهوم «جودة الحياة» بصفة أوسع ضمن أدبيات الخطط التنموية والاقتصادية ومشاريع التطوير، فيما يشح تناوله ضمن سياق القضايا الأسرية والتربوية أو الاجتماعية، يحاول هذا المقال أن يفتح بابا في البيت العائلي، للتعرف على أهمية توافر أسلوب تعامل سليم من الوالدين تجاه الأبناء، لتحقيق مستوى معتبرا من الواقع العائلي الإيجابي المرتبط بمفهوم جودة الحياة.
وبوضوح، يهمنا أولا أن نحدد معنى جودة الحياة المقصودة في عباراتنا هنا، إذ هي: الشعور بالسعادة والرضا في الحياة، بما يكون دافعا نحو التفاعل مع الجو العائلي أو الاجتماعي بطرق صحيحة وعلاقة إيجابية، يعززها الاستقرار النفسي والوجداني القادر على استدامة سمات الشخصية الإنسانية المتميزة في تجلياتها وتحقيق أهدافها العالية.
وإذ تختلف أساليب تعامل الوالدين مع الأبناء، فقد تكون الأساليب سليمة وإيجابية، وقد تكون غير سليمة وسلبية، والمحصلة أن السمات الشخصية والنفسية لدى الأبناء تتقدم كلما كان أساليب المعاملة الوالدية سليمة، بينما ينعكس التعامل السلبي للأبوين على أبنائهما بما يؤثر على جودة حياتهم.
إن العلاقة القريبة بين الوالدين والأبناء توفر أجواء هي أقرب للصداقة والاحترام، مع الحفاظ على مقام الوالدية لدى الأبناء، وهذا ملاحظ لدى بعض الآباء والأمهات، الذين تتميز علاقاتهم التربوية مع الأبناء بمحتوى تعامل يلهم الأبناء ويستكشف قابلياتهم، ويتدرج في إيصال المحتوى التربوي بحكمة وصبر وذكاء وجداني، إلى أن يعلمهم طريقة صناعة القرار وكيفية تحقيق العلاقات الناجحة مع الآخرين.
بينما على النقيض، فإن التعامل السلبي، الذي قد يمثله سلوك يثير الألم النفسي لدى الأبناء: مثل كثرة التوبيخ والنقد المستمر، أو ممارسة أي نوع من أشكال العنف اللفظي المعنوي أو المادي اليدوي، هو مشروع تدمير لشخصية الأبناء الإنسانية والنفسية، ولذلك تجرم القوانين والتشريعات هذا السلوك وترفضه جملة وتفصيلا.
أيضا يأخذ الرفض الوالدي، التي يتمثل في عدم اهتمام الوالدين أو أحدهما بالأبناء، وعدم تقبل أخطاءهم البسيطة، دور المعول الهادم داخل الأسرة، فيما تعارضه الأسس التربوية وتدعو إلى تحجيمه بالثقافة التربوية السليمة، القادرة على إنتاج معاملة إيجابية مع الأبناء.
إن الإعلام الحديث يتحمل مهمة وظيفية كبيرة تتمثل في تنوير العائلة المعاصرة وتحصينه، وسد فجوات النقص المعرفي لديها، بهدف تحقيق العلاقات العائلية المستقرة والسعيدة.
بالإضافة إلى الدور الكبير، الذي يقع على التعليم بكل مؤسساته في رفد المحتوى المرتبط بالعائلة والمجتمع بما يصنع وعيا قادرا على استدامة العلاقات العائلية والاجتماعية وشحذ معالم القوة فيها وعلاج أوجه الخلل في مبانيها، من أجل جودة حياتنا وحياة أبنائنا جميعا.
تويتر
@f_lialy