طالتنا تقارير كانت تصف الوضع الاقتصادي جراء انتشار جائحة كوفيد-19 في بدايتها بأنه وضع سيؤدي لكارثة، ولكن ها هو العالم يتعافى من كل ما ألم به والاقتصاد يحاول العودة من حيث توقف، وبحسب تقرير صندوق النقد الدولي، آفاق الاقتصاد العالمي الصادر في أبريل الماضي، فإن ما يحدث أن العالم يعيش صدمتين: الجائحة، التي لم تنته، والحرب الروسية الأوكرانية، وبحسب التقرير كان من المتوقع أن تؤدي الصدمة المركبة على جانبي العرض والطلب إلى انهيار حاد في التجارة، ولكن تجارة السلع تعافت سريعا، وإن استمر بطء النشاط في تجارة الخدمات، كذلك أدت الانقطاعات في شبكات الإنتاج والتجارة الدولية الرئيسية إلى انطلاق دعوات لإعادة نقل الإنتاج إلى الداخل. وعليه فإن العوامل المرتبطة بالجائحة كان لها دور كبير في تحول الطلب من الخدمات إلى السلع، وأنه بالرغم من أن سياسات احتواء الجائحة كانت لها تداعيات سلبية هائلة على الشركاء التجاريين، فإنها لم تستمر طويلا، وأثبتت التجارة وسلاسل القيمة صلابتها عموما، ولكن للوقاية من الصدمات المستقبلية، يمكن تقوية شبكات الإنتاج والتجارة الدولية تلك من خلال زيادة تنويع مصادر المدخلات وتعزيز قابلية الإحلال فيما بينها. وقد نجت من كارثة كان الصندوق قد تنبأ بها.
اليوم نعيش واقع ارتفاع في الأسعار غير مفهوم يصاحبه تضخم في بعض القطاعات، كان وقعه سريعا جدا، من جانب آخر فإن دولنا التي تعتبر الدول الناجية من وخم الأزمتين وهي دول تنبأ لها صندوق النقد ووكالات اقتصادية أخرى بنسبة نمو غير مسبوقة نتيجة أوضاع الحرب وارتفاع أسعار النفط، معرضة لانهيار يمكن أن يخل بمخططها الآني، الذي يواكب النمو السريع المدرجة لهذا العام إذا لم يتم احتواؤه سريعا، ليس له مبرر، يتم عبر استغلال الأوضاع ورفع الأسعار، وهو ما سيتسبب في شح السيولة ونضبها في السوق المحلية.
من جهة أخرى، فإن عمليات التحويلات المالية لم تجف ولم تنضب ولم يسجل لها تراجع حتى خلال فترة الجائحة، ووفقا لتقرير حديث للبنك الدولي «سجل خلال عام 2021، تدفقات التحويلات الوافدة تحسناً قوياً في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (25.3 %)، وأفريقيا جنوب الصحراء (14.1 %)، وأوروبا وآسيا الوسطى (7.8 %)، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا (7.6 %)، وجنوب آسيا (6.9 %). شكلت تدفقات التحويلات أكبر مصدر للتمويل الخارجي للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل منذ عام 2015». وهذه التحويلات مع عوامل ارتفاع الأسعار وعمليات التضخم ستتسبب في ركود على المدى القصير تحد من النمو.
ولضمان استمرار النمو الاقتصادي هناك حاجتان، توطين الوظائف ورفع نسبة التوظيف المحلية، والدفع لاستقرار الأسعار بقدر الممكن، للمحافظة على السيولة الموجودة قبل أن يمسك الناس عن الشراء، بعد إشارات الرفع المتتالية لبعض المواد الأساسية، التي لا تطالها سلاسل التوريد، وتضخم الأسعار تباعا بعد رفع أسعار الفائدة في ظل ارتفاع سعر النفط.
قد ترتفع أسعار بعض المواد التابعة لسلاسل التوريد «عالميا» نتيجة عوامل كالجمركة والتصدير والتأمين وخلافه، ولكن أن تؤدي إلى التضخم ونحن في عالم يعيش مخاوف الحرب، أجد أن الأمر مستبعد وارتفاع الأسعار إنما هو أمر مؤقت.
@hana_maki00