n ماذا أقول بعد كل هذه العقود الأربعة التي قضيتها دفاعا عن المياه الجوفية؟ عايشت فاجعة نضوب مياه ينابيع واحة الأحساء. فكنت شاهدا على غزارتها، وشاهدا على نضوبها، وشاهدا على مسيرة غورها إلى أعماق الأرض. وأيضا شاهدا على هبوط مناسيب المياه الجوفية بالمملكة. الماء في بلدنا قضية كل فرد حتى في ظل تجاهلها.
n وبعد.. أعود بكم إلى سؤال لا يمكن تجاهله: هل ساهمت الأنظمة والقوانين في الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية؟ سؤال يقود إلى أسئلة أخرى. بعضها يفتح آفاقا من تساؤلات توحي وتقول. أجوبتها ملقاة على رصيف الحياة دون استفادة أو حتى توظيف لدروسها وعبرها المهمة والملهمة. نتجاوزها كعادتنا منذ زمن الطفرة. هل يعني هذا أن المسؤولية عندما تعطى لفاقد الشيء تصبح وظيفته خلق المزيد من المشاكل والتحديات والخسائر؟
n هناك من استغل الأنظمة والقوانين للتربح من خلال أسعار الضمان التي ساهمت في جور استنزاف المياه الجوفية. في هذا الشأن لا أقول بشيء جديد. في أفضل الأحوال أتساءل: لماذا كانت هذه الأنظمة والقوانين المالية؟ هل وضعت لإشراك صغار المزارعين في زمن الطفرة، والذين كانوا يحترفون الزراعة كمهنة؟ هل كان الهدف حصولهم على جزء من الناتج الوطني، عن طريق مساعدتهم بأموال القروض والإعانات لتحسين مستوى معيشتهم، من خلال زيادة إنتاجهم الزراعي؟ هل تحقق لهم هذا؟ لماذا هجروا مزارعهم مع إنفاق الدولة أكثر من (130) مليار ريال لتنمية القطاع الزراعي خلال سنين الطفرة؟ من الذي استفاد من حزم القروض والإعانات الزراعية؟ الواقع يقدم الإجابات.
n هل ساهم ضعف دور الأجهزة الإرشادية الزراعية في هجر الزراعة كمهنة لمزارعي المملكة؟ لماذا طغت الزراعة على المياه الجوفية؟ هل تم إرشاد المزارعين -قبل هجرتهم وهجرهم الزراعة- إلى كيفية الاستفادة من الإعانات والقروض وأسعار الضمان؟ أسئلة بمساحة هائلة من الحيرة والتساؤلات الأخرى الفرعية. جميعها تفتح مصراع التساؤل الكبير حول استنزف المياه الجوفية الجائر، وضياع الزراعة كمهنة.
n من هم الذين استفادوا؟ ولماذا؟ هل ما زال الوضع قائما بطرق مختلفة؟ الواقع يقدم الإجابات. بعض التساؤلات تؤكد أن الزراعة كمهنة دفعت الثمن، وكذلك البيئة والمياه الجوفية، والأهم أجيالنا التي لم تولد بعد.
n وقبل الإبحار مع المزيد من التساؤلات عن المياه الجوفية، أقول بهذا السؤال: من هو المزارع؟ علينا تعريفه قبل وضع الإستراتيجيات والخطط والبرامج الزراعية. التعريف الصحيح سيعزز استدامة تجنب الاجتهادات والقضاء على المصالح الشخصية لصالح الأجيال القادمة.
n في غياب تعريف المزارع سيظهر الانتهازيون، وأصحاب الأطماع والجشع، من رجال أعمال وموظفين ومستثمرين مغامرين، وسيحتلون الساحة على أنهم مزارعون. لكنهم يرون الزراعة نوعا من الغنائم والتفاخر. المزارع الحقيقي لا يراها كذلك. هذا هو الفرق بينهما. فرق يرسم نقاط ارتكاز لصالح الاستدامة المنشودة لصالح المستقبل من خلال محور استدامة المياه. ويستمر الحديث بعنوان آخر.
@DrAlghamdiMH