كانت التوعية الصحية مثلا تقدم مغلفة دينيا لطبيعة المجتمعات المحافظة والمتدينة حيث يسهل تقبل التوجيهات، ولأن الشريعة الغراء تنطوي على الكثير من التعليمات التثقيفية للمجتمع وتعليم السلوكيات الشرعية التي لها دور وقائي مهم في منع المراضة أو التخفيف من مضاعفاتها.
من ذلك على سبيل المثال لا الحصر النظافة والطهارة فعنه عليه الصلاة والسلام: (النظافة تدعو إلى الإيمان، والإيمان مع صاحبه في الجنة).
وقرنت الطهارة بالعبادات الأساسية فالوضوء بكيفيته وترتيبه إحدى الضرورات لأداء الصلوات الخمس يوميا. كما أن الغسل من الواجبات الشرعية بعد الجنابة والحيض والنفاس. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا).
ليس هذا فحسب بل واهتم الإسلام بحماية البيئة ومنع التلوث، فجعل من إماطة الأذى صدقة، وأيضا حرم الشرع الزنا واللواط اللذين ارتبطا بانتشار الأمراض الجنسية المعدية.
وهناك الكثير من الأمثلة على تدخل الشريعة السمحاء بأحكامها الدينية للوقاية من المرض أو الحد من مضاعفاته يصعب حصرها، والتي يمكن للمؤسسات الدينية الحض عليها ومعاقبة المخالف لها بما نصت عليه الحدود الشرعية، سعيا للمصلحة العامة كما أمر الشارع عز وجل وحرصا على حفظ البدن والوقاية من المرض.
من أهم أوجه التأثير الاجتماعي السلوكي هو العادات المكتسبة عن طريق التلقين والتعليم والتي تقترن بالممارسة، وهنا يتجلى دور وزارة التربية والتعليم، حيث لوحظ انتقال تأثير تعليم السلوكيات الصحية من سن الحضانة إلى ممارستها كعادات بعد البلوغ والنضح.
فمن خلال الحضانة والمدرسة يتعلم الطفل والطالب الأنماط الغذائية والسلوكيات المرتبطة بالنظافة الشخصية، وينتقل تأثير ذلك مع تدرجه العمري ليتطور وتصبح تلك العادات المكتسبة عادات متأصلة.
فمثلا يمكن اكتساب عادة تنظيف الأسنان لو حرصت المدرسة على تخصيص وقت لتفريش الأسنان بعد الفسحة، وكذلك تعليم النظافة مثل غسيل الأيدي قبل تناول الطعام، وبعد استخدام دورات المياه، ورمي المناديل الملوثة بالقمامة وعدم لمس العين والفم باليد الملوثة بعد العطاس أو مسح الفم، وجعل ذلك من إحدى درجات التقييم التي يقيم بها سلوك الطالب وثقافته الصحية.
ولا يمكن أن نغفل عن دور الإعلام عندما يوجه لدوره المهم في التنوير والتثقيف والحصول على المعلومة الموثوقة والتي تقدم بصورة مبدعة ومبتكرة، فتطور وسائل التواصل الإعلامي من إعلام مقروء ومرئي وتقنيات البحث والتواصل الإلكترونية لتغيير السلوكيات السيئة ونشر الثقافة البناءة الموجهة للفئة المناسبة وبالوقت المناسب، كما تتيح بعضها التفاعل بين مقدم المعلومة ومتلقيها.
من هذا المنطلق ونحن نواجه التحديات الصحية التي ندعو الله أن يحمينا منها من فيروسات خبيثة وأوبئة صحية، وأمراض ترتبط بالتلوث والعادات السلوكية السيئة، فإننا نهيب بالتعاون بين المؤسسات المختلفة والتي لها قبول اجتماعي كل بطريقتها وإمكانياتها وصلاحياتها لتتكاتف مع الجهات التوعوية الموثوقة في تقديم المعلومة الصحية نحو هدف واحد يعنى بهم وبأبنائهم والأجيال القادمة، وأن تساهم بدورها كعنصر فعال ومؤثر على شريحة كبيرة من المجتمع.
@DrLalibrahim