لذا ينبغي علينا عندما نخطئ بحق البشر، أن نبادر إلى الاعتذار؛ لأن الاعتراف بالحق فضيلة والمسارعة إلى الاعتذار خلق يدل على نبل صاحبه ورقيه، فليس منا بني البشر من معصوم إلا الأنبياء والرسل، والاعتذار في حقيقته يزيد المرء شرفًا ورفعة، فلا يقدر عليه إلا الواثق من نفسه، العارف بحقوق الناس وقدرهم، فهو لا يرضى الخطأ على نفسه، وفي المقابل لا يرضى أن يقع الخطأ على الآخرين.
وجدير بالذكر، أنه ينبغي علينا التفريق بين الخطأ والزلة، وبين الإصرار والتمادي، لأن الناس قد تقبل من أحد ما أن يخطأ في حقها مرة، ولكن ليس مرات، وأن يزل في موقف ما دون مواقف كثيرة، لأن كثرة الأخطاء في حق الآخرين تعتبر سجية وطبعا لدى صاحبها، تنفر الناس من حوله وتجعله منبوذًا من مجتمعه، فكم من أناس -هداهم الله- لا تجد لهم القبول في المجالس ولا يأنس الناس لحديثهم، يتتبعون عثرات الناس ويجادلون في أمور لا تستحق الجدال، وتعلو أصواتهم لتنتصر آراؤهم، لا ينتقون العبارة ولا يبالون بوقعها على المتلقي.
يروى أن والداً حكيمًا أراد أن يعلم ابنه أثر وقع الكلمات الخاطئة على الناس، فأعطاه مجموعة من المسامير، وقال له ثبتها على سور الحديقة، فقام الولد بتثبيتها، ثم قال له انزعها، فنزعها، ثم قال له ضع مادة تغطي أثر الثقوب، فقام الولد بعمل ذلك، فقال له والده كيف ترى السور الآن بعد ما قمت به من عمل، فقال الابن لا يزاد أثر الثقوب واضحًا، فقال له الأب: هذه أثر الكلمات الخاطئة، التي نلقيها جزافًا على الناس، فعلى الرغم من جميل الاعتذار، إلا أن بعض الكلمات يبقى لها أثر يصعب معالجته، لذا يا بني امسك عليك لسانك.
فلنتخير من الكلام أحسنه، ولننتقي عباراتنا بدقة، ولا ندلو بآرائنا في شاردة وواردة، لأنه مَن كثر كلامه كثر لغطه، وفي المقابل أيضًا علينا أن نقبل اعتذار المعتذر ولنمرر لبعض الناس أخطاءهم العفوية ولنغمرها في نهر عطائهم وحسناتهم.
قال الشاعر:
مَن ذا الذي ما ساء قط.. ومَن له الحسنى فقط
@azmani21