لقد سرني، كثيرا، وأثلج صدري، ما رأيت أثناء حضوري هذا العرس العلمي والمهني الكبير. وأود أن أشيد، الإشادة المستحقة، بدور المركز السعودي للتحكيم التجاري في تبني ورعاية مثل هذه الفعاليات والمسابقات، وبسعيه الدؤوب لدعم ومساندة طلاب العلم في مجال القانون، وجميع من ساهم معهم من الأساتذة والأستاذات والفقهاء داخل وخارج المملكة، وأخص بالذكر، والشكر والتقدير، القائمين على المركز السعودي للتحكيم التجاري، ومن أسهم بالمشاركة في هذه المسابقة وإنجاحها.
السرور والفخر اللذان غمراني إثر متابعة هذه المنافسة، دفعاني لكتابة هذه المقالة، لأعبر عما شعرت به، ولأعرض بعض النقاط والمسائل التي آمل أن تحظى باهتمام المعنيين من مسؤولين وأكاديميين، وكذلك باهتمام أبنائنا وبناتنا من طلاب الشريعة والقانون الواعدين، الذين يمثلون مستقبل هذا الوطن الغالي في هذا المجال الحيوي.
أما المسائل التي أرغب في التحدث عنها، فيما يتعلق بهذه المنافسة، فيمكنني إيجازها كالآتي:
أولا: أرى أن هناك حاجة ماسة لإقامة مثل هذه المنافسات بشكل منتظم ودوري، لدورها الفاعل في بناء وتكوين الشخصية القانونية لأبنائنا الطلاب والطالبات، وصقل مهاراتهم القانونية وتطويرها، وتأهيلهم للترافع الشفوي، وإكسابهم الثقة بالنفس. فهذه جوانب، مع الأسف، لا نكاد نراها، في معظم الأحيان، في قاعات المحاضرات في الجامعات. وفضلا عن هذا، فإن تنظيم المنافسة بشكل منتظم ومستمر يسهم في تطوير قدرات وملكات الطلاب والطالبات في كتابة المذكرات بلغة شرعية وقانونية سليمة، تحقق الغاية المنشودة التي تنشدها الشريعة والقانون، على حد سواء، وهي إقامة العدل، ورد الحقوق إلى أصحابها.
ثانيا: من أكثر المزايا التي أبهرتني في هذه المنافسة، وأعتقد أنها أبهرت الكثيرين كذلك، هو تحدث أبنائنا وبناتنا الطلاب والطالبات بلغة عربية فصحى رصينة، وبطلاقة لم أعهدها من ذي قبل، ولم أتوقعها، مع امتلاكهم سرعة البديهة، وأخص بالذكر طالباتنا اللاتي أبهرنني بلغتهن الفصيحة، وإنني لآمل أن يحذو سائر طلابنا حذوهن، وأن يتخذوا من إتقان العربية منهجا في حياتهم العلمية والعملية.
ولي مع هذه المسألة وقفة، فأنا من الداعمين والمنادين بصقل مهارات المتعلمين من خلال تعلم اللغات الأجنبية، خاصة اللغة الإنجليزية، التي باتت عنصرا أساسا في جميع المجالات والنشاطات، دون أن يكون ذلك على حساب لغتنا الأم، اللغة العربية، ودائما ما أنصح طلابي وزملائي في المهنة بضرورة تعلم، وإتقان، اللغتين العربية والإنجليزية، بحيث لا ترجح كفة لغة على حساب الأخرى، بل يجب أن يكون هناك توازن بين هويتنا وثقافتنا، وبين مواكبة العصر الراهن، بإجادة وإتقان اللغة الإنجليزية.
كما أن من المستقر في وجداني واعتقادي أن الجمع بين إتقان اللغتين لا يتعارض مع الهوية العربية الإسلامية، بل إنه يتماشى معها ويسير معها جنبا إلى جنب، لأننا أمة «اقرأ»، وديننا يدعونا للانفتاح على الثقافات والعلوم الأخرى، ولن يتسنى لنا ذلك إلا بتعلم وإتقان اللغات الأجنبية.
ثالثا: لا ريب أن مثل هذه المنافسات تكشف لنا عما يتمتع به أبناء المجتمع السعودي من مهارات، وعن الكفاءات التي ربما لم نكن نعلم عنهم شيئا، وهذا الأمر يدعونا لأن نقف وقفة جادة معهم لنتخذ كل الإجراءات التي يمكن أن تدعم مسيرتهم العلمية، وتساعد على تنمية مهاراتهم، ووضعهم على الطريق الصحيحة علميا وعمليا، وإنني أرى، في ذلك، أن نبدأ معهم من حيث انتهى الآخرون.
رابعا: المنافسة التي بين أيدينا كانت بمثابة محاولة جادة وناجحة لفتح الأبواب مشرعة أمام هؤلاء الطلاب والطالبات، المتميزين والمتميزات، للمنافسة على المستوى الدولي، وهي مبادرة أراها بداية خير ونفع، يمكن اتخاذها ركيزة للانطلاق نحو المنافسات الوطنية والإقليمية والدولية، على حد سواء، من أجل إظهار قدرة وبراعة الطلاب السعوديين وثقتهم وامتلاكهم ما يؤهلهم لمنافسة نظرائهم في أي بقعة من بقاع العالم، ليس باللغة العربية فحسب وإنما باللغة الإنجليزية أيضا.
وأختم مقالتي هذه بالتأكيد على أنني أرى أن هذه المنافسة قد نجحت نجاحا منقطع النظير، كما أنني أراها بحق عملا مشرفا جديرا بالتنويه والتقدير، وبالإشادة من جميع النواحي، سواء التنظيمية أو المهنية والفنية، وكذلك بالنسبة للأداء المميز من جميع المشاركين.
ولا شك أن مسك الختام في هذه المنافسة هو وصول أربع فتيات من بناتنا إلى المرحلة النهائية، وهو إنجاز مشرف لهن ولوطنهن، يدعوني لأن أؤكد ما سبق أن ناديت به من ضرورة التركيز على الاستثمار في العنصر البشري، من أولادنا وبناتنا، فهم خير ما نستثمر فيه، خاصة أن وطننا الغالي، وجميع القائمين عليه لا يدخرون جهدا في دعم وتنمية أبناء هذا الوطن، وتقديم كل ما يحقق لهم النفع والصلاح والفلاح، لأنهم هم المستقبل المشرق.