قد لا يكون الفضول وحده سبب تجمهر الناس عند موقع حادثة. وإن كان هو – أي حب الاستطلاع - هو المسيطر في الغالب.
الإبحار في علم النفس البشرية يقول إن الموضوع يُحتمل أن يكون فحص القدرة على فهم ما حدث. ولم يكن إعجابًا بما حدث؛ لأن عقول البشر في حالة تأهب دائم لحل الألغاز التي تواجهها عبر حياتها اليومية. بدليل صفحات الألغاز في الصحف. وكثرة الكلمات المتقاطعة.
ورأي آخر يقلل من أهمية تلك النظرة، أنهم في الغرب لا يتجمهرون لمشاهدة حادث مروري أو حريق أو انهيار مبنى. فالمسألة في رأي الكثير -وأنا منهم- مسألة تربية وثقافة منطقة بعينها.
المشكلة إذن لا يمكن علاجها بدواء نستورده، ولا بخلطات مركبة من عدة عناصر، كلا ولا بالأعشاب والرقية والكي، ولا بإرسال الفضوليين إلى دورات تدريبية إلى الغرب أو الشرق، أو بترقية خدمات مصحات العلاج النفسي. هذه مشكلة لا توجد إلا عند مقطع أو شريحة من الناس، ما لنا إلا أن نتركهم لخالقهم. حتى الضبط والعقاب والتشريع لا يفيد. لغز.. محيِّر!!
نعلم أن غريزة حب الاستطلاع بشريّة أو إنسانية متمكنة وارتبطت بالإنسان منذ أن نشأ. ولكن علينا أن نتذكر أن هناك تناسبًا واتجاهًا عكسيًّا بين رقي الإنسان وتحضُّره وتثقيفه ووعيه، وبين بروز هذه الظاهرة بشكل واضح وملفت ومعوِّق لجهود الإنقاذ والوصول إلى معرفة حقيقة الأمر. وقد يتمكن متجمهر من محو أثر ذي فائدة للمحقق في الوصول إلى جريمة خفيَّة، وجاء الحادث لإخفائها. وجهة نظري أن تطبيق الغرامة في المدن وخارجها على الطرق السريعة. فالفضولي لا يغامر بحجز مركبته وإيقافها، أو ربط اسمه بغرامة.
الفضوليون جزء من منظومة المجتمع، ووجودهم أمر لازم..، ولا عجب في هذا. وقد لا يخلو منهم أي مجتمع، لكن على درجات مختلفة.
ومن تفسيرات الفضول أن يكون صاحبه ليس لديه ما يشغل به نفسه. وعبارة Busy Ape بالإنجليزية ترجمتها الحرفية (قرد مشغول)، دلالتها أنه ذو حركات كثيرة عديمة الفائدة.
واعتاد عجوز إنجليزي متقاعد أن يقف بين حين وآخر في محطة الحافلات بقريته، ثم -عند تجمُّع الناس- ينتحي بنفسه مسافة قليلة ويبدأ بالنظر إلى السماء، متحركًا يمينًا ويسارًا.. واضعًا يده أمام عينيه، وكأنه ينظر إلى شيء في الأعلى، ولا يلبث شخص آخر من المنتظرين للحافلة أن يقف بجانبه وينظر بنفس الاتجاه.. ثم يأتي آخر.. وآخر.. وأخرى، والجميع ينظرون، حتى أن البعض يؤشِّر لأن ذلك «الشيء» يقع إلى اليمين قليلًا..!
@A_Althukair