توضح لنا الإحصاءات شيئاً مختلفًا، ففي الدول الغربية، التي تقدم نفسها على أنها دول التقدم العلمي والحضارة، توضح الإحصائيات العلمية أن 74 % من البالغين في المملكة المتحدة مثلًا، شعروا بالتوتر أو الإرهاق وعدم القدرة على التأقلم، 32 % راودتهم أفكار انتحارية، 16 % قاموا بأذية أنفسهم بالفعل، ولا تتغير الصورة كثيرًا عنها في الولايات المتحدة الأمريكية، فهنالك 79 % شعروا بالتوتر، وحوالي 60 % شعروا بأنهم مشلولون بسبب التوتر. تشير تلك الإحصاءات إلى حاجة المجتمعات إلى المزيد من المعالجين النفسيين وعلماء النفس والأطباء النفسيين. وهو الإجراء، الذي تسعى له الدول عادة بدلاً من اكتشاف مكامن الضرر وعلاجه.
والسؤال الذي ينبغي أن نطرحه هنا، لماذا يحدث ذلك التوتر في البلدان الغنية والمتقدمة علميًا؟ يرجع عالم الأوبئة ريتشارد ويكنسون، سبب ذلك كله إلى التمييز وعدم المساواة، الذي له تأثير قوي ومباشر على رفع مستويات القلق والاضطراب العقلي والتعاسة والاكتئاب، ويضرب لذلك مثلًا فيقول، ألا ترى أننا نشعر بالتوتر عندما نلقي خطابًا أمام الجمهور لأول مرة، أو عندما نحضر مناسبة لا نعرف فيها أحدا، لأن ذلك يدفعنا إلى الخوف من الظهور بشكل سلبي أمام الآخرين، لأن ذلك يولد نوعًا من المشاعر السلبية والمحبطة للأشخاص ويدفعهم للتوتر والقلق.
لقد أدى الفارق المادي الكبير إلى تشكيل طبقات المجتمع بناءً على الدخل المادي، وأصبح الهوس مبنياً على أساس المادة دون غيرها من الثوابت الدينية والاجتماعية والوطنية، فهذا يصم الدين بالرجعية، لمزيد من المكتسبات المادية، وآخر يكيل التهم على المجتمع ويصفه بالتخلف لنفس السبب، وآخر متكسب من الطعن في وطنه وقيادته.
ونظرًا لانعدام المساواة لا تتعلق فقط بالفقر وحسب، بل تضعنا أمام علاقات اجتماعية يظهر فيها التفوق والدونية؛ لأنها تصنفنا من الأفضل إلى الأسوأ، وتعمق المشاعر الدونية، وتجعلنا نحكم على بعضنا البعض من خلال المادة دون غيرها مما يؤدي بالفرد إلى الاقتناع بكونه أقل مكانة من غيره، فيسبب له ضعفًا في تقدير ذاته، ويفقد الثقة بنفسه، وينسحب على إثر ذلك من مجتمعه، ويصبح أكثر عرضة للاكتئاب.
وختامًا، يمكننا القول إن السعادة والرفاهية والصحة، تحصل لنا من خلال جودة علاقاتنا الاجتماعية، التي تعتبر العامل المؤثر في الاستقرار النفسي والسعادة المستمرة والرضا والقناعة.
قال الشاعر:
هي القَناعَةُ فالزَمها تَعِشْ مَلكاً.. لَو لَمْ يَكُنْ مِنها إلَّا رَاحة البَدَنِ
@azmani21