طويلة وشاقة ومليئة بالتجارب والإخفاقات واستكشاف كل ما هو جديد في عالم البناء تجربة بناء أطول بناء في العالم في كل مرحلة مرت بها البشرية. عم يتحدث المرء؟. عن برج بابل الأسطوري، أم عن أهرامات الجيزة، أم عن أبراج الحيرة، أم عن ناطحات السحاب القديمة في جنوب الجزيرة العربية وما زالت سلالتها شامخة في شبام، أم عن برج إيفل، أم عن بناية إمباير ستيت في نيويورك، أم سيرز تاور في شيكاغو، أم عن برجي بتروناس التوأم في ماليزيا، أم بناية 101 في تايوان؟ للقارئ أن يختار من هذه ما يشاء. غير أن مجرد ذكر أسماء هذه الأيقونات المعمارية الخالدة يبحر بالقارئ في تفاصيل بالغة الدقة في بناء كل منها. ويأتي برج خليفة متوجا لمسيرة هذه الكوكبة من المنشآت، التي سطرت تاريخ البشرية في الطموح والقدرة على الوصول بالبناء إلى ارتفاعات لم يبلغها الإنسان من قبل.
أطول بناء في العالم، أشبه بكأس العالم. إنه لقب يرتحل دوما ليحط رحاله في الأرض، التي هيأت المكان لاستضافته. وقد هيأت له دبي -تلك المدينة التي أصبحت في ظرف عقد من الزمن على كل لسان- كل المعطيات والإمكانات فحط فيها رحاله، وطابت له فيها الإقامة على ضفاف خليجنا العربي. أطول بناء في العالم مفخرة لموقعه المباشر، وحيه، ومدينته ودولته وجيرانه، وللوطن العربي كافة.
غير أن أطول برج في العالم بعد رحيل صاحبه قد اكتسب بعدا رمزيا آخر. خليفة اسم له رمزيته. وفي ارتباطه بأعلى بناء في العالم تزداد هذه الرمزية بعدا على بعد. فقد ارتبط مسمى خليفة في التاريخ العربي الإسلامي بأعلى منصب في هيكل الدولة. ولأن بناء الصروح العالية تعبير مباشر عن السلطة، فقد أصبح برج خليفة رمزا لهذه السلطة. هكذا أصبح البرج مشحونا برمزية قلما توافرت في بناء آخر.
من البديهي أن يكون أعلى برج في العالم محط أنظار العالم في المناسبات الوطنية والدينية والثقافية والرياضية. وفي كل هذه المناسبات ومع كل ومضة ضوء ونغمة موسيقى مصاحبة لها على مرأى من نوافيره يبقى مسمى خليفة مرافقا لكل التفاصيل الدقيقة لتلك الفعاليات. تختلف المناسبات، تتعدد الألوان، تعلو النغمات وتخفت، يذهب السياح ويأتون، ويبقى اسم خليفة ما بقيت تلك الفعاليات.
يذكر برج خليفة في شكله المعماري بملوية جامع سامراء العاصمة العباسية الأسطورية وجامعها الأسطوري وهو الأكبر في تاريخ العمارة الإسلامية. إن الشكل اللولبي لهما (وإن كان برج خليفة مستمدا من بتلات الزهرة في الصحراء) إلا أن تناقص بتلاته وارتداداتها نحو الداخل صعودا وصولا لقمة البرج يجعل من هذين البنائين امتدادا لبعضهما. وكما أن ملوية سامراء متحدرة من أبراج حضارات بلاد ما بين النهرين الضاربة في القدم، فإن برج خليفة هو آخر ما وصلت إليه علوم وتقنيات وفنون البناء حتى الآن. وفي عالم اقتصادي متقلب، من المرجح أن برج خليفة سيبقى لفترات طويلة حامل اللقب.
يقول المثل الشعبي يرحل المرء ويبقى ظله، وهنا يمكن القول سيبقى خليفة ما بقي برجه.
[email protected]