دار مؤخرا جدل حول إدخال مادة الموسيقى في المدارس، وذهب البعض أكثر من اللازم في مواقفهم الحادة من هذا الإجراء الذي لم يتخذ بعد، بينما ذهب آخرون، أكثر من اللازم أيضا، في مواقفهم من تأييد جعل مادة الموسيقى متطلبا دراسيا تنتج عنه مواهب ويرتقي بأذواق التلاميذ والتلميذات. وأنا شخصيا لست مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، بل أقف في المنتصف لأن هناك ما يهمني في مدارسنا في التعليم العام قبل الموسيقى التي يمكن أن تدرس في أي مكان، ويمكن أن يذهب إليها الراغب أو الهاوي في مظانها العامة أو الخاصة.
لا أحب القفز على الأشياء على طريقة أذن جحا. هناك ما هو ألزم في مدارسنا الأولية من الموسيقى وشؤونها. ومن ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، استمرارية النظر في تطوير المناهج ونزع كل الشحوم والترهلات التي تعتريها لتكون أفضل وأكفأ في الدفع بطلبة وطالبات على قدر من التفوق والإبداع والتميز المؤثر في المشهد العام للتنمية في بلادنا. كذلك استمرارية ما بدأته الوزارة من العناية بالكيف على حساب الكم والتخلص نهائيا من موروثات التلقين التي لم تعطنا، على مدى عقود، سوى مستهلكين للمعرفة والتقنية وليس منتجين لها.
أضف إلى ذلك أننا تأخرنا كثيرا في جلب مدارس وجامعات أجنبية تخلق منافسات تعليمية حقيقية في مجتمعنا، وتنقلنا إلى ضفة أخرى غير الضفة التي تعودنا على المكوث بها. وما زلنا، رغم بعض الخطوات الأخيرة الموفقة على هذا الصعيد، مترددين في استيراد القدرات والمؤسسات التعليمية المرموقة على صعيدي التعليم العام والجامعي. وكما هي الحال في تطوير منظومة التعليم المحلية، كلما تأخرنا ساعة في هذا الاستيراد تأخرنا ساعات وأياما وسنوات في تحقيق مكاسب تعليمية تتفق وتتماهى مع تقدم وتنافسية عالم اليوم.
هذه الأمور وغيرها تسبق الموسيقى وجدليات إدخالها في المدارس من عدمه. إذا حققنا ما نطمح إليه إجمالا لمنظومة التعليم، من مناهج ومعامل ومدرسين ومدرسات وسياقات تعليمية منتجة، تأتي الموسيقى أو لا تأتي، لأنها في نهاية المطاف ترف تعليمي لا يصح، بأي حال من الأحوال، أن يسبق الضرورات المستحقة والملحة.
@ma_alosaimi