- الموقف الآن متأزم، وعبدالحميد الدبيبة أسهم في إضاعة الفرصة على الليبيين لكي تكون هناك حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا تفعل ما فشلت حكومته في تحقيقه، فقد جاء الدبيبة إلى منصبه ليوقف دور الميليشيات في زعزعة استقرار البلاد ويمنعها من التدخل في حياة الليبيين، إضافة إلى أن حكومته كان من المفترض أن تنجز استحقاق الانتخابات، ولكنها لم تفعل.
وحيث إن الدبيبة ظل في موقعه فترة كافية من أجل أن يجد حلولا ناجزة لهذه الملفات الشائكة، ولكنه لم يوفق، فكان يجب عليه أن يلتزم بتكليف البرلمان الليبي لحكومة جديدة، إلا أنه تحدى قرار مجلس النواب وتحصن بالميليشيات في العاصمة طرابلس.
والآن انقلب عدد من الميليشيات على الدبيبة رغم أنه دفع مبالغ مالية ضخمة لعناصرها وقادتها من أجل حمايته، ليستمر في موقعه غير الشرعي، وهو الآن في مأزق وسوف يخرج من العاصمة إما بالقوة أو طائعا.
• وما الحل في إنهاء دور حكومة الدبيبة الرافضة لقرار البرلمان بتكليف حكومة جديدة؟
- بالفعل هذه الحكومة المقالة ترفض الاستماع إلى مجلس النواب الذي يعد صوت الشرعية، والكيان المنتخب الوحيد في ليبيا، فهي تدرك أن قرار إقالتها جاء بناء على مطالب شعبية بعد فشلها الواضح في حل الأزمات والمشكلات السياسية والاقتصادية التي يعاني منها أبناء الشعب الليبي كافة، وتفرغ رئيسها ومسؤولوها لتحقيق مصالح شخصية، بينما تجرع الليبيون مرارة فقد الأمن، وعدم تحقيق تطلعاتهم في الوصول إلى الاستقرار عن طريق إقامة الانتخابات.
وهنا يجب على البرلمان الاستمرار في الضغط على الدبيبة وحكومته من أجل تسليم السلطة للحكومة الجديدة، وعلى باشاغا أن يستمر في تحركاته من أجل كسب التأييد من الليبيين كافة، كل ذلك سوف يضيق الخناق على الحكومة السابقة وداعميها، وسوف يؤدي في النهاية إلى إنهاء دور الدبيبة وخروجه تماما من المشهد السياسي الليبي.
• ولماذا لا يحسم المجتمع الدولي الملفات العالقة مثل خروج المرتزقة وتفكيك الميليشيات؟
للأسف الشديد المجتمع الدولي يواصل ترك الحبل على الغارب لهذه الميليشيات والمرتزقة للاستمرار في بث الفوضى والعبث باستقرار ليبيا، بل أحيانا تتم المساواة بين الجماعات المسلحة المتطرفة الإرهابية وأطراف شرعية وأخرى ذات حيثية في المعادلة السياسية الليبية، وواضح أن من مصلحة بعض الدول استمرار هذا الانفلات والتخبط في المشهد السياسي الليبي، لعدم تحقيق الاستقرار من أجل نهب خيرات البلاد، وتحديدا النفط.
ورغم أن الموقف الراهن في ليبيا من انفلات وفوضى، خاصة في المنطقة الغربية في ظل تدخل الميليشيات المسلحة في دائرة صنع القرار، قد لا يكون في مصلحة أي طرف بما فيها الدول الغربية، ولكن قد يكون لهذه الدول أهداف أخرى مستقبلا غير معلنة في هذه المرحلة.
علينا أن نعترف أن الحكومات الليبية المتعاقبة لم تتمكن أو أي جسم شرعي، أن تقوم بدورها وتمارس صلاحيتها إلا برشوة الميليشيات التي تمسك بزمام الأمور، سواء في طرابلس، والمجتمع الدولي لا يريد حل وتفكيك هذه الجماعات، ويتركها تعبث بالمشهد السياسي الليبي رغم أنها اجتازت جميع الخطوط الحمراء في العنف وانتهاك حقوق الإنسان، لكن المنظمات والهيئات الدولية تكيل بمكيالين في هذا الملف.
• هل يمكن تدخل الجيش الليبي لتمكين الحكومة الجديدة من استلام السلطة في طرابلس؟
- مجلس النواب بوصفه الجهة التشريعية الوحيدة في ليبيا، هو من نصب القائد العام للجيش الوطني، لذا فإن بإمكانه أن يطالب الجيش بالذهاب إلى طرابلس لإنهاء عدم شرعية الحكومة المقالة المتحصنة بالميليشيات المسلحة، ووقف النزيف من الخسائر الكبرى التي يتكبدها الليبيون في اقتصادهم ومواردهم من خلال وقف تصدير النفط، وهو ما أدى إلى معاناة أبناء الشعب الليبي.
لكن للأسف المجتمع الدولي لن يسمح بدخول الجيش الليبي العاصمة، كما تصدى لهذا الأمر من قبل، يجب أن نعترف أن الموقف الحالي في ليبيا ليس بيد مسؤولي البرلمان أو الجيش الليبي فقط، لكنَّ هناك تدخلا مؤثرا من جهات ومنظمات خارجية ودول كبرى، وقد يكون الحل الحاسم لما تعانيه ليبيا بيدي مسؤولي هذه الأطراف الأجنبية.
• هل تقع على مجلس النواب الليبي مسؤولية في احتواء الانقسامات بخلاف الدور التشريعي؟
- مجلس النواب مظلوم كثيرا، وهنا لا أدافع عنه، بالفعل يجب أن يكون دوره أكثر من ذلك، لكن المجلس يتعرض لحرب ضروس منذ اليوم الأول لبدء عمله وافتعلوا له الأزمات، وبعد مهاجمة طرابلس بما تسمى عملية «فجر ليبيا» في 2014، حدث انشقاق في المجلس وتم رشوة بعض نوابه من أجل أن يكون هناك مجلسان مثلما توجد حكومتان.
كان الهدف من المتآمرين على ليبيا أن يظل المجلس في حالة ركود ولا يفعل شيئا، لكن رئيس مجلس النواب والأعضاء تحدوا هذه العراقيل ومارسوا عملهم في إصدار التشريعات والقوانين، وهي للتاريخ فقط؛ إذ إنها في الحقيقة لا تنفذ، لكن من أجل أن ننحى المسؤولية عن هذا المجلس نواصل عملنا ونصدر التشريعات.
وعلى الشعب الليبي أن يدرك حقيقة كل هذه الأمور، ورغم فساد بعض النواب وارتمائهم في أحضان قوى معادية لأمن واستقرار ليبيا، فإن النواب الشرفاء استمروا في عملهم من أجل الوصول في النهاية إلى مرحلة الاستقرار التي ينشدها الليبيون.
• كيف رأيت نتائج اجتماع أعضاء بمجلسي النواب والدولة في مصر بخصوص الاتفاق على قاعدة دستورية؟
- كل الاجتماعات في داخل وخارج ليبيا «عبثية»، الهدف منها ليس حل المشكلة الليبية ولكن إرجاءها، وإطالة أمد الأزمات المعقدة، لو كانت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يسعون إلى حلول لما تعانيه ليبيا من خلافات وانقسامات لفعلوا ذلك منذ سقوط نظام القذافي في 2011؛ بتسليم السلطة إلى الليبيين كما فعلت الأمم المتحدة، حيث تأسست المملكة الليبية بعد استقلال ليبيا في 24 ديسمبر 1951.
لكن ما يحدث حاليا هو مؤامرة مكتملة الأركان من دول غربية، بهدف خلخلة النظام وبعثرة البلاد وتمزيقها، ومن ثم تقسيمها للاستمرار في هذه الحالة من التشرذم، وفي النهاية نجد أنفسنا أمام دولة ضعيفة مفككة من السهل نهب ثرواتها.
وللأسف أعضاء لجنتي النواب والدولة الاستشاري حضروا إلى العاصمة المصرية القاهرة، وكل منهم يحمل شأنا يخفيه، وهذا أسفر في النهاية عن مزيد من الخلافات، وليس كما أشيع من جهات دولية بوجود اتفاق بشأن عدد من البنود.
• هل هناك مؤشرات إيجابية عن إمكانية إجراء الانتخابات خلال المرحلة القادمة؟
- إجراء انتخابات حقيقية في ليبيا يتطلب فرض الأمن على الأرض وإرساء المصالحة عبر قناعات حقيقية، وهناك أولويات لقيام الدولة أولاها الأمن والأمان ثم تأتي الأشياء الأخرى مثل القوانين والتشريعات والتنظيم وحسن الإدارة ونزع التزوير وتسوية قضية صلاحية المرشح للانتخابات، وبعد هذه الأولويات يمكن الحديث عن الانتخابات «لقيام الدولة، وليس الانتخابات لانهيار الدولة».
• كيف ترى مخططات جماعة الإخوان الإرهابية لتدمير ليبيا؟
- حذرت كثيرا من مخططات جماعة الإخوان لاستهداف الجيش الليبي، كما حذرت كثيرا من أنه لا يمكن الوثوق في عناصر هذا التنظيم الإرهابي؛ كونهم يتحاورون على شيء وأعينهم على شيء آخر تماما.
الإخوان يريدون إضعاف القوات المسلحة الليبية من أجل إسقاط ليبيا في فخ الفوضى، وهي مؤامرة إخوانية ظهرت في عدد من الدول المجاورة التي حاولت الإخوان وضع موضع قدم لها فيها، ومن ثم القفز للسيطرة على السلطة عن طريق العنف باستخدام السلاح.
كل من يتأمل المشهد الليبي جيدا، سيجد الخراب طال أي مكان توجد فيه عناصر إخوانية، ومنذ 2014 وجماعة الإخوان تحاول بكل ما أوتيت من جهد وقوة لتفجير الأزمات وتدمير أي مؤسسة وطنية ليبية، وكان إحداث الانقسامات وزرع بذور الفتنة بين نواب البرلمان الليبي من أهم أهداف الإخوان.