وبين التساؤلَين.. لابد لنا من وقفة نستقرئ فيها أسباب صدور هذه التعليمات وتوقيتها، فالمتابع لأعمال وخدمات الحجاج يلحظ أن القطاعات العاملة في خدمات الحج والحجاج تعكف نهاية كل موسم حج على دراسة خططها وبرامجها المنفذة، والنتائج الإيجابية المحققة والملاحظات المسجلة، ومن خلال دراسة لأوضاع المقيمين القادمين من خارج مكة المكرمة كانت أبرز الملاحظات المسجلة افتراش نسبة كبيرة منهم لساحات الحرم المكي الشريف، قبل توجّههم للمشاعر المقدسة، ولجوئهم للتوسل؛ مما يعكس صورة سلبية عن المملكة وأبنائها، إضافة إلى قيامهم بافتراش أرصفة الشوارع والطرقات ومداخل الأنفاق بالمشاعر المقدسة، دون النظر للأضرار التي ستلحق بالآخرين، فتنعكس صورة سيئة عن خدمات الدولة لضيوف الرحمن، وقد أوضح سماحة المفتي العام للمملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، أضرار الافتراش: "إن الافتراش أذى للحجاج، وهو من الضرر الذي يجب الابتعاد عنه"، ونصح سماحته حجاج بيت الله الحرام بأن يتقوا الله في جميع أعمالهم ويراعوا أداء المناسك بكل خشوع وطمأنينة، وأن يعطوا الطريق حقه، وينبغي إفساح الطريق، وكف الأذى لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - (إياكم والجلوس على الطرقات، فإن أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها؛ غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر).
وعلّق سماحة المفتي العام للمملكة، على مَن يمارس الافتراش أنه من الإيذاء، وهو من الإيذاء المتعدي للغير والضرر، ومن الواجب الابتعاد عن ممارسة مثل هذا السلوك".
ولو تمعَّن هؤلاء المفترشون لمعنى الحج وفضله، متمثلًا في قول الحق تبارك وتعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، والاستطاعة هنا هي ملك الزاد والراحلة، وما يتعلق بغيرها من السكن والخدمات، وللحج أهداف سامية وغايات نبيلة، ومنافع للناس لفعل الطاعات في دنياهم لا تقل عن منافعهم في دينهم، قال تعالى: (ليَشْهَدُواْ مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ ٱللَّهِ فِي أَيَّامٍ معْلُوماتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَائِسَ الْفَقِير).
وقبل الختام.. أقول إن مكة المكرمة والمشاعر المقدسة مواقع طاهرة وينبوع هداية، ومشرق نور، ومبعث ضياء، وينبغي أن تبقى كذلك، وأن يبعد عنها كل ما يسيء لروحانيتها وجمالها، وإن كان الافتراش ظاهرة سلبية فعلينا جميعًا أن نتعاون للقضاء عليه، وأن نعمل يدًا واحدة للقضاء على كل صورة سلبية، وأن نقف داعمين لأجهزة الدولة في القضاء على كل صورة سلبية تسيء لجهود الدولة المبذولة لخدمة حجاج بيت الله الحرام.
@ashalabi1380