ظهر مصطلح الحوكمة بصيغته الحديثة على غرار مصطلحات أخرى مثل المسؤولية الاجتماعية، والخصخصة انسجاما مع مصطلحات دارجة في إطار نظام العولمة.
تزايد الاهتمام بالحوكمة بسبب الأزمات المالية والاقتصادية، التي كانت غالبا ليست بسبب عدم وجود السياسات والإجراءات والهياكل التنظيمية، التي يستوجب عملها في إدارة الجودة الشاملة، ولكن بسبب الالتزام والامتثال لما ذكر وانتقاص الشفافية والوضوح في التعامل، مع ضعف المساواة بالفرص والقدرة والتوفيق والتوازن بين أصحاب المصالح المتعارضة، وحماية حقوق المساهمين.
عرفت الحوكمة ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP على أنها ممارسة السلطة السياسية والاقتصادية والإدارية، بإدارة شؤون على جميع المستويات وتشمل الآليات والعمليات، التي من خلالها المواطنون والمجموعات بممارسة حقوقهم القانونية ويوفون بالتزاماتهم.
وفي حوكمة الشركاتCorporate Governance Matters 2nd Edition – Larcker & Tayan عرفوها بأنها مجموعة من الأنظمة والضوابط، التي من خلال الالتزام بها وتنفيذها تستطيع المنظمة خلق توازن لتحقيق العدل والشفافية والاستقلالية والمساءلة.
تنضج الحوكمة بتأمين المقومات الخارجية والداخلية ومن المقومات الخارجية المناخ الاستثماري للدولة، ويشمل البيئة التشريعية
الأرضية القانونية والتنظيمية مثل (نظام التقاضي، نظام الشركات، نظام التجارة والاستثمار، نظام مكافحة الغش التجاري، نظام الإفلاس، نظام حماية المنافسة، وغيرها من الأنظمة والقوانين ذات العلاقة)، وكفاءة الصناعة المالية ويقصد بها (البنوك، وسوق المال والتمويل)، وكفاءة الأجهزة الرقابية، بالإضافة إلى المنظمات المتخصصة بالمهن الحرّة مثل مكاتب المحاماة.
ومن المقومات الداخلية لنضج المنظمة في الحوكمة تحديد القواعد والأسس، التي تحدد كيفية اتخاذ القرارات وتوزيع السلطات وتقليل التعارض بين أصحاب المصلحة، وتأكيد المسؤولية والالتزام وآلية المحاسبة والشفافية، وتقديم ما يثبت تطبيق المساواة والعدالة كمبادئ أساسية في الحوكمة.
يختلف القطاع الصحي عن قطاع الشركات في الحوكمة من ناحية تغليب العامل الإنساني على المادي، وعندما نتحدث عن القطاع العام، فإن حقوق المساهمين تعني حقوق الشعب، التي يتوجب على القيادة العليا تأمينها بموجب نظام الحكم بتشريع وتنظيم ومراقبة من حكومتها وبسلطة تنفيذية مستقلة بين المشرع والمراقب ومقدم الخدمة، كما حصل الآن من خلال قرار شركة الصحة القابضة كمقدم للخدمة ومؤسسة التأمين الوطني كممول للخدمة واستمرار وزارة الصحة بدورها المشرع والمخطط والمراقب والمحسن للخدمة.
إن هذا القرار يثبت نجاح مسارات التحول الوطني وفق الرؤية الوطنية، التي رسمها سيدي سمو ولي العهد محمد بن سلمان، وأتت ثمارها بعد دراسة النظام الصحي بشكل شامل والاستفادة من أحسن التجارب العالمية، التي سبقتنا في إصلاحات النظام الصحي، وتطبيق الحوكمة من خلال الهيئات والمؤسسات ذات العلاقة بالصحة.
نحن مقبلون على مرحلة جديدة في النظام الصحي نتفاءل بها خيرا، وتتطلب التفهم من جميع الأطراف فلن يصح إلا الصحيح.
@DrLalibrahim