أغلب الموظفين تتحرك لديهم شعلة سلبية داخلية مدمرة دون أن يشعروا بها عند اقتراب تقاعدهم من العمل، وهذه الشعلة لها علامات تظهر في سلوكهم وتصرفاتهم، وكثيرا منهم لا يعلمون أن هذه الشعلة هي المحرك لهذا النمط الجديد في حياتهم، وحتى لا يدب الفزع في قلوب المتقاعدين أقول إن لهذه الشعلة علاجا وعلاجها بسيط وبيد المتقاعد نفسه إذا رغب التخلص من آثار هذه الشعلة، وإليكم بعض الأمثلة لهذه الشعلة السلبية، فنلاحظ عند اقتراب تقاعد بعض الموظفين واقتراب حصولهم على حقوقهم المالية، وظهور شبح الفراغ تتحرك لديهم شعلة الرغبة في الزواج الثاني وبسرعة تسابق الزمن، وهذا سبب لبعضهم مشاكل متصاعدة منها خسران الزوجة الأولى بالطلاق أو الخلاف وزاد معها عداء الأولاد لوالدهم، ونتج عن ذلك فقدان المتقاعد للاستقرار النفسي والعاطفي، وأيضا هناك متقاعدون ظهر لديهم سلوك منحرف، فوقعوا في مصيدة الهجرة أو السياحة الخارجية ومع كثرة السفر تنازلوا شيئا فشيئا عن قيمهم الإسلامية والأخلاق الحميدة واتبعوا خطوات الشيطان فانغمسوا في المحرمات معرضين أنفسهم للمخاطر والسحرة واللصوص والمبتزين، فخسروا دينهم وأموالهم وصحتهم وسمعتهم، وأيضا هناك متقاعدون لحقهم ضرر بسبب هذه الشعلة السلبية عندما اتجهوا للتجارة بدون تخطيط أو خبرة، فخسروا أموالهم وصحتهم، وهناك مَن قرر شراء مزرعة أو إبل أو أغنام وغيرها من الرغبات بدون خبرة مدفوعا من هذه الشعلة دون أن يشعر، فوقع في مصيدة التخبط وصرف كل ما جمعه من مال مما أدى إلى اختلال توازنه وفقد استقراره النفسي ونتج عنه في الغالب أمراض مستعصية كأداء السكري والضغط والاضطراب النفسي وغيرها، ونلاحظ أيضا أن البعض بعد التقاعد اعتزل الناس، فالانقباض عن الناس مكسبة للعداوة والكآبة، والبعض الآخر اندفع وأسرف في مخالطة الناس دون ضوابط تحركه هذه الشعلة وهو لا يشعر، وهذه مجلبة لقرناء السوء، وقد يفقد قيمته ويسيئ لنفسه ويكرهونه الناس، فالمتقاعد في هذه الفترة الانتقالية أنصحه أن يكون بين المنقبض والمنبسط في مخالطة الناس حتى تخف حدة هذه الشعلة، وتقوى بصيرته، ويستمر بعدها على هذه الوسطية في مخالطتهم، فهذه أمثلة بسيطة من سلوكيات وتصرفات بعض المتقاعدين بسبب هذه الشعلة السلبية دون أن يشعروا بها، وحتى لا أطيل عليكم أطمئنكم بأن هذه الشعلة تخف بعد التقاعد عند الكثير، بعد أشهر بسيطة، وتختلف المدة من شخص لآخر، فبعضهم قد يصل لسنة والبعض الآخر للأسف الشديد قد تستمر معه لسنوات إما بسبب ضعف الوعي لديه أو ضعف ارتباطه بالله، وعندما تخف حدة هذه الشعلة تزداد عكسيا قوة البصيرة، فيكون القرار الذي يتخذه المتقاعد تحركه البصيرة، وليست الشعلة السلبية، وبالتالي تكون أغلب القرارات التي يرغب في تحقيقها ناجحة؛ لأنها مبنية على بصيرة وقناعة وجدوى سواء كان زواجا أو تجارة أو سفرا أو ممارسة هواية أو تعامل مع الناس وغيرها من الرغبات، فالإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال:-
(عند تناهي الشدة تكون الفرجة. وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء).
والمسلم الذي يخشى على نفسه من براثن هذه الشعلة أنصحه أن يكون برنامجه اليومي ما يلي:
١- محافظا على عبادة الله، خاصة الصلاة؛ لأن مَن يضبط صلاته تنضبط معها حياته وبصيرته.
٢- مبتعدا عن كل ما يغضب الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه، فهذه هي البوصلة، التي تمهد الطريق للمتقاعد وتخلصه من المشاكل والمصائب بإذن الله.
٣- بارا بوالديه، واصلا رحمه، حسن الأخلاق مع الناس، ومتواضعا، ويحرص على خدمة المحتاج وعلى الصدقة، فهذا هو سر التوفيق والبركة والقبول.
٤- أن يكون محافظا على الأذكار والأوراد اليومية، ومكثرا من الاستغفار ومهتما بالدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء ثقة بقدرة الله.