عند الحديث عن السياحة، فإن أول ما يتبادر إلى ذهن السائح بعد أن يكون قد انتهى من ترتيب مكان إقامته هي قائمة الأهداف، التي قدم إلى وجهته السياحية من أجلها. وهنا تتصدر المتاحف باختلاف فئاتها ومسمياتها، ناهيك عن طراز عماراتها، المشهد بلا منازع. المتحف هو الوجهة السياحية الأولى للسياح ويكفيك منه لغة اسمه. والمتحف ليس بحاجة للتعريف به. إنه الخزان الحضاري للشعب. إنه مجلس البيت. إنه منصة عرض لكل ما يريد المضيف عرضه للسائح. بهذا المعنى فإن المتحف للسياحة هو مجلس القصر وقمة الجبل وسنام الجمل.
ولأن المتحف على هذه الدرجة من الأهمية، فإنه يتصدر قائمة المحطات السياحية لكل مدينة جعلت من السياحة نشاطا لها. هل يمكن لنا تخيل باريس بدون اللوفر، وهل يمكن للسائح ألا يزور متحف جوجنهايم في نيويورك، وهل يمكن تخيل لوس أنجلوس بدون متحف الفن الحديث، وهل يمكن التجول في سانت بطرسبرج بدون التوقف عند متحف الهيرميتاج، وهل يمكن زيارة القاهرة بدون المرور على المتحف الوطني للآثار؟.
هذه فقط عينة من أسماء بعض المتاحف في هذه المدن السياحية. المتحف ركن أساس للسياحة، وقد فاقت شهرة بعض المتاحف أسماء مدنها.
وبالرغم من توافر بعض المتاحف لدينا، وبعض المراكز العلمية المتفرقة هنا وهناك في بعض مدن المملكة إلا أن المتحف باعتباره مكانا لعرض النتاج الثقافي لأصحاب البلاد أيا كان هذا النتاج على غرار الأسماء المدرجة أعلاه مازال بعيدا عن اهتمامات السياحة لدينا.
هناك الكثير والكثير مما يسمى اصطلاحا «متاحف شعبية» منتشرة في كل مناطق المملكة كمبادرات حضارية من القائمين عليها. وبالرغم من قيمة هذه المتاحف والشكر والثناء، الذي يلقاه أصحابها من السياح إلا أن كل ذلك يندرج تحت باب الاجتهاد الشخصي، ولا يندرج في نطاق الصناعة السياحية المزدهرة القائمة على عمل المؤسسات باعتبار المتحف بناء وإدارة ومحتوى عملا مؤسسيا في المقام الأول.
والمتاحف أنواع. فمنها ما هو مخصص للعلم فقط ومنها ما هو مخصص للفن وهذه أكثر من أن تحصى ومنها ما هو مخصص لشخصيات تاريخية فقط، ومنها ما هو مخصص للفضاء وعلومه ومنها ما هو مختص بتطور التقنيات، ومنها ما هو مخصص للمستقبل. وهكذا.
في عصر التحول الوطني، الذي نشهده اليوم وإدراكا من الجهات العليا، فإن المتحف باعتباره الوجهة السياحية الأولى لصناعة سياحية مزدهرة يأتي في قائمة أولوياتها. ولعله من باب الإشارة وإبداء الرأي الدعوة لإنشاء هيئة حكومية تعنى بالمتاحف تأخذ على عاتقها النهوض بهذا الجانب الحيوي المهم، الذي لا يمكن لأي صناعة سياحية مزدهرة أن تنمو بدونه. يجب أن يكون في كل مدينة لدينا متحف أيقونة معمارية يشار إليها بالبنان كما هو الحال في كثير من المتاحف على أن تبنيه الدولة وفق أجمل فنون البناء ويحتوي على أنفس ما تحتويه المدينة تاريخا كان أم تراثا أم طبيعة صحراوية أم ساحلية أم جبلية، وتديره وفق خطط سياحية منظمة تعكس الطموح، الذي نسعى إليه لعرض صورة حضارية ناصعة لبلادنا.
المتحف هو رمز ضيافة. أليس حري بنا ونحن أصحاب الكرم أن نكرم السائح في أعز ما نملك في عرض أصالتنا وتفردنا بين الأمم، وهل هناك أكرم من المتحف نقدمه وليمة دائمة لضيوفنا؟
[email protected]