كسوة الكعبة المشرفة من أهم مظاهر التبجيل والتشريف لبيت الله الحرام، ورابط لتاريخ المسلمين، برع فيها أمهر العاملين وتسابقوا لنيل الشرف العظيم.
ويُصنع أشرف ثوب في العالم من الحرير الأسود المنقوش عليه آيات من القرآن الكريم من ماء الذهب، تكسى به الكعبة ويتم تغييرها مرة في السنة، صبيحة يوم عرفة.
شعيرة إسلامية
ويعد تغيير كسوة الكعبة شعيرة إسلامية، واتباع لما قام به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصحابة الكرام من بعده.
وورد أنه بعد فتح مكة في العام التاسع الهجري كسا الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع الكعبة بالثياب اليمانية وكانت نفقاتها من بيت مال المسلمين.
وسار الخلفاء الراشدون على سنة رسول الله من بعده حين كساها أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- بالقباطي والبرود اليمانية، ثم كساها عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بكسوتين أحدهما فوق الأخرى فكان هذا العمل الأول من نوعه في الإسلام.
لحظات رفع الجزء السفلي لكسوة الكعبة المشرفة، وتغطيته بالإزار الأبيض، استعداداً لاستقبال حجاج بيت الله الحرام لهذا العام.#الكعبة #حج1443 pic.twitter.com/4GdtTACYsG— Kaaba | الكعبة (@HolyKaaba) June 20, 2022
وباشرت المملكة منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- صناعة كسوة الكعبة عبر دار خاصة بمحلة أجياد أمام دار وزارة المالية العمومية بمكة المكرمة في عام 1928م/ 1346هـ لتصبح أول حلة سعودية تصنع في مكة المكرمة.
وانتقل مصنع كسوة الكعبة عام 1976م/ 1397 هـ إلى مبناه الجديد بأم الجود، مجهزاً بأحدث المكائن المتطورة في الصناعة، وليواصل صناعتها في أبهى صورها.
المراحل
وتمر مراحل صناعة كسوة الكعبة المشرفة بمجموعة من الأقسام الفنية والتشغيلية؛ تبدأ بالصباغة لأفضل أنواع الحرير الطبيعي الخالص في العالم، ثم النسيج الآلي المتضمن للعبارات والآيات القرآنية والمنسوخة، ثم قسم المختبر، إذ تُجرى بإجراء الاختبارات المتنوعة للخيوط الحريرية والقطنية من أجل التأكد من مطابقتها للمواصفات القياسية المطلوبة.
ويأتي بعدها مرحلة الطباعة، التي يتكون منها قسم حزام التطريز وقسم خياطة الكسوة ثم وحدة العناية بكسوة الكعبة المشرفة.
وفي منتصف شهر ذي القعدة، عقب انتهاء مراحل الإنتاج والتصنيع، يقام حفل سنوي في مصنع الكسوة الكريمة لتُسلم إلى كبير سدنة بيت الله الحرام، الذي بدوره يسلمها للرئيس العام لشؤون المسجد الحرام المسجد النبوي.
وآخر قطعة يتم تركيبها هي ستارة الباب، وهي أصعب المراحل، وبعد الانتهاء منها يُرفع ثوب الكعبة المبطن بقطع متينة من القماش الأبيض، وبارتفاع نحو 3 أمتار من شاذروان (القاعدة الرخامية للكعبة) والمعروفة بعملية (إحرام الكعبة) ويرفع ثوب الكعبة.
وتستبدل الكعبة كسوتها مرة واحدة كل عام وذلك أثناء فريضة الحج بعد أن يتوجه الحجاج إلى صعيد عرفات، ويتولى سدنة البيت الحرام تغيير الكسوة القديمة واستبدالها بالثوب الجديد، استعداداً لاستقبال الحجاج في صباح اليوم التالي الذي يوافق عيد الأضحى.
وسيراً على خطى المؤسس الملك عبد العزيز -رحمه الله- واصل أبناؤه البررة العناية بالكعبة وكسوتها، وأصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- موافقته على تحديث وتغيير الأنظمة الإلكترونية والأجهزة الكهربائية والمعدات الميكانيكية بمصنع الكسوة بما يوافق الأنظمة المستحدثة، في نقلة تطويرية متقدمة في مجال صناعة الثوب الشريف.
وصدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - في أبريل 2018 م / شعبان 1439 هـ بتغير مسمى مصنع كسوة الكعبة المشرفة إلى مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة.
وتُقدر القطع المذهبة في الكسوة بنحو 56 قطعة مذهبة ما بين حزام كسوة الكعبة، وما تحت الحزام والقناديل والصمديات وستارة باب الكعبة المشرفة، علماً بأن العمل على إنجاز الواحدة منها يستغرق ما بين 90 إلى 120 يوم عمل.
الكسوة القديمة
ويشارك في مراسم استبدال الكسوة نحو 160 فنياً وصانعاً بإشراف وتنفيذ الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف.
وكان المدير العام السابق لمجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة أحمد المنصوري قال في حديث صحفي، إن تفكيك أركان الكسوة من المذهبات يكون ظهر 8 ذي الحجة من كل عام، حسب الخطة التشغيلية والفنية لتبديل الثوب القديم بالجديد فجر يوم عرفة.
وأضاف أنه تُطبق إجراءات ونظام المستودعات الحكومية على الكسوة القديمة، من توفير الحفظ الفني الملائم لها بما يحول دون التفاعلات الكيميائية أو تسلل البكتيريا إليها، وفي حال طلب صرفها لمتاحف أو هدايا يكون ذلك بناء على المادة 12 الفقرة الثانية من نظام المستودعات، الذي أكد أنه يكون بناء على تعميد من السلطة المختصة وطلب صرف للمواد.
وتستهلك الكسوة نحو 670 كيلوجراما من الحرير الخام المصبوغ باللون الأسود، و120 كيلوجراما من أسلاك الذهب و100 من أسلاك الفضة، وتتزين بالحرير المبطن بالقطن، ومنسوج فوقها آيات قرآنية مشغولة بخيوط من الذهب والفضة.
ويبلغ ارتفاع الثوب 14 متراً، ويوجد بالثلث الأعلى منه الحزام الذي يبلغ عرضه 95 سنتيمتراً وبطول 47 متراً، مكون من 16 قطعة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية.
وتتكون الكسوة من 5 قطع، تغطي كل قطعة وجها من أوجه الكعبة المشرفة، والقطعة الخامسة تمثل الستارة التي توضع على باب الكعبة المشرفة.