ولكي نصل بأنفسنا كآباء لما يفترض أن نكون عليه، يجب مراعاة الفروقات في الأجيال، وما يشمل ذلك من طريقة تفكير واهتمامات ورغبات، فابن الخمسة عشر عاما تختلف اهتماماته عما كنا عليه قبل ثلاثين سنة...! وعليه قس الكثير من الاختلافات السلوكية والعاطفية بين هذه الأجيال.
بعضنا ينظر كثيرا في المجالس ومع أصدقائه عن التربية، ولكنه يمارس السلطوية المطلقة على أبنائه.. فلا يسمح لهم بمناقشته ويريد الطاعة المطلقة له حتى في أمور قد يكون فيها مجال أن يأخذ رأيهم، مثل اختيار الكلية التي يرغبها الابن، أو الوظيفة ونحوه، بحجة هكذا تربينا، فلا يسمح له باختيار ما يرغبه، وهنا لا بد من التوضيح، لأن الكثير يخلط بين ترك الابن أو البنت يختار طريقا خاطئا وبين الإكراه على أمر ما.
اجلس مع ابنك وبنتك وخذ وقتك معهم صاحبهم وصادقهم، لا تدقق على كل صغيرة وكبيرة، فلابد للمراهقة من أن تأخذ نصيبها من أعمارهم، تسامح وتغافل، اعرف متى تقول نصيحتك ومتى تصمت وتكتفي بالنظرة غير الراضية عن فعل ما، تبادلوا الأدوار، وبلا شك كل أب يعلم ما يصلح لابنه أو بنته، ومراعاة الفروقات العمرية والفكرية بينهم.
بعضنا عندما يدخل على ابنه أو الأم على بنتها في غرفتها لا يطرق الباب، بحجة أنا أبوه وأنا أمه وكأن ذلك تصريح مطلق لانتهاك خصوصية الأبناء، ولو استأذن قبل الدخول لترك أثرا جيدا لدى الأبناء وله تبعات سلوكية اجتماعية إيجابية، ويعزز الثقة والرقابة الذاتية لديهم، كما أن ممارسة التجسس عليهم لها آثار سلبية وتجعلهم يعيشون بين أهلهم وهم في حذر وتيقظ دائم، خشية من أن يقع بيد الأب أو الأم شيء فيعاقبونهم أشد عقاب، وهنا تبدأ مرحلة الكذب والتخفي وبمجرد غياب الوالدين ترتكب الأخطاء وتمارس العادات السيئة.
التربية ليست طريقا ممهدا بالورود، بل عكس ذلك تماما، وعلينا أن نجاهد أنفسنا ونتعب ونفكر ونخطط كيف سنربي أبناءنا تربية صحيحة، نعزز في نفوسهم أهمية طاعتهم لله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأهم ما يجب علينا غرسه فيهم هو المراقبة الذاتية، والثقة المقننة، ومنح الصلاحيات، وإعطاء المهام المنزلية، ومشاركتهم الأمور التي تخص العائلة فهم جزء منها، ليتعزز انتماؤهم وتقوى ثقتهم في أنفسهم ونتركهم ليقرروا، ولا بأس أن يخطئوا، «فمن الذي لا يخطئ قط، من له الحسنى فقط».
ليس عيبا أن نأخذ دورات متخصصة في فنون التربية، فالمعرفة تجعلنا أكثر نضجا وأعمق فكرا، والعلم نور للعقول ينفع صاحبه، ولا تنس عزيزي الأب وأيتها الأم أن تراعي الفروقات والاهتمامات بين جيل الأمس واليوم، لا تجبرهم ليعيشوا زمنك، فهذا زمنهم هم ويجب أن يعيشوه، وأنا وأنت المسؤولون عن توجيههم ونصحهم بالحكمة وممارسة دورنا الحقيقي في تربيتهم وتركهم يختارون لأنفسهم حياتهم الخاصة، الرعاية والاهتمام وبذل السبب منا والهداية والتوفيق من الله.
@jailanishaiq