قد لا تكن أبها على نفس القدر من الحظ، الذي حظيت به فلورنسا. فعصر النهضة على غرار ما حصل في فلورنسا لم يحدث. غير أنه قد توافر لهذه المدينة الحالمة من الفرص ما كان يمكن أن تقف مع ربيبتها الإيطالية على قدم المساواة. لقد كانت أبها مرادفة للفن ليس بالضرورة بمعناه الغربي البحت رسما ونحتا وعمارة. أبها اسم فني في الأساس ومن هنا نبدأ.
إذ يبدو أن الفن بمختلف تجلياته ممهور في الحمض النووي للمدينة. إنك تشعر وكأن أبها مدينة رسمت ولم تبن. وبدءا من سماء المدينة. إنك لترى السحاب الأبيض ليرسم لوحات فنية متحركة باستمرار في صعوده من وراء قممها، التي ترسم خط أفق المدينة كإطار للوحة فنية. داخل اللوحة لك أن تختار من مواضيع الفن ما تشاء. جبل ذرة في جنوب المدينة، وقلعة شمسان في شمالها لمَن يهوى المطلات العالية. ولمَن أراد الفن فعليه بشارع الفن. فشارع الفن فن. إن أردت الرسم بكامل توجهاته وجدته في قرية المفتاحة التشكيلية كأول تجمع لفناني المملكة تحت سقف واحد. وإن أردت المغنى والترويح عن النفس هل هناك أرفع قامة وأعذب صوتا من مسرح يحمل اسم صاحبه. وإن أردت التراث فها هو سوق الثلاثاء الأسبوعي، وقد أصبح سوقا دائما يجد فيه الزائر والسائح والمتسوق ما شاء من شراء. ويبدو أن تراث منطقة عسير قد تجمع كله في هذا السوق. وإن فضلت الصمت فيكفيك من الشارع اسمه، فالمشي تحت أشجار الجركندا، التي وجدت في أبها موطنا لها يكفي عن كل شيء. في عسير وأبها كل شيء فن. الناس تتنفس الفن. البناء فن. اللبس فن. وها هو مؤخرا فن الطهي العسيري يتصدر قائمة أجود المأكولات في العالم.
وكما قدر لفلورنسا أن تكون مهد النهضة الأوروبية، فإن أبها بأهلها وبفنانيها وتراثها الضارب في الفن مؤهلة لتكون مصدر نهضة فنية ليس في عسير فحسب، بل على مستوى المملكة والعالم العربي والعالم ولم لا.
تبقى تلك حقائق يعرفها القاصي والداني. غير أن أبها لا تعيش في عالم مثالي. إنها محكومة بتقلبات التاريخ والاجتماع والاقتصاد والسياسة. فقد هبت عليها رياح التصحر بمعناه المناخي المباشر والثقافي وهو ما لم تعهده مما جعلها تمر بسنين عجاف تركت آثاره على جبالها وعمرانها وجدارياتها وأرصفة شوارعها.
لكن الطبع يغلب التطبع. فأبها لا تقبل إلا أن تكون اسما على مسمى يجعل منها اسما مرادفا للفن، ورمزا للنهضة، التي تتطلع إليها هذه المدينة الحالمة، مدينة الفن، مدينة الضباب. ويبقى ذلك رهنا بإدراك القيمة الجمالية لهذه المدينة الرمز والعمل على تحقيق رؤيتها تلك: مهدا لنهضة فنية شاملة من جبال السروات أسوة بربيبتها بعيدا هناك عند مشارف جبال الألب.
[email protected]