الکثير من الآيات القرآنية الکريمة، تعطي أمثلة حية وفريدة من نوعها على المساحة المتاحة لحرية الاعتقاد والتفکير، وكل آيات القرآن الكريم تؤكد على ذلك بدءًا من الآية الکريمة: «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي»، وقوله تعالى: «إنك لا تهدي من أحببت»، فهذه الآيات ترسم خطا بيانيا لحرية العقيدة، ذلك أن حلاوة وقوة الاعتقاد تأتي من الاقتناع الراسخ به، وکما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «نوم على يقين خير من صلاة في شك».
الاعتقاد في الإسلام «مبني» على أرضية راسخة.. أساسها الثقة والحرية
الإسلام الذي جاء ليکرم الإنسان ويرفع من شأنه ومن منزلته، فإنه وکما نرى قد راعى کثيرا الجانب الاعتقادي لديه لأن لهذا الجانب أهم وظيفة ومهمة في تکوين الشخصية الاعتبارية للإنسان، والإسلام يريد للإنسان أن يکون على ثقة وقناعة راسخة بما يعتقد به، لا أن يکون ذلك على أسس واعتبارات مهزوزة ووقتية غير راسخة.
ومن هنا، فإن الجماعات والتنظيمات المتطرفة -من كل المذاهب- التي تسعى کل جهدها من أجل أن توحي بأن الإسلام دين استبدادي يفرض الأمور عنوة وقسرا على الناس رغم أنفهم، لا تتفق مع الإسلام ومبادئه وقيمه السمحة التي تدعو للحرية والانفتاح والتضحية والإيثار، وأن أمة کريمة معطاء يصفها القرآن الکريم «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة»، لا يمکن أبدا أن تکون أمة مستبدة ومضطهدة ومقصية للآخرين.
حرية الاعتقاد في منظور الإسلام أهلته لاستقطاب المكونات الإنسانية
البناء الفکري والاعتقادي للإنسان، يعتبر الأساس والأصل الذي يرتکز عليه الإنسان في انطلاقته وتعامله وتعاطيه مع الموضوع من کل النواحي وعلى کافة الأصعدة، وقطعا فإن هذا البناء لو کان قسريا أو انعدمت فيه الإرادة والاختيار الإنساني، فإنه لن يکون متسما بالرزانة والاتزان والحبکة اللازمة، وإنما يمکن أن يکون في حالة هشة وغير متماسکة، والإنسان في مثل هذه الحالة لن يکون عنصرا مفيدا بالنسبة للمجتمع لأنه يتسم بالقلق وعدم الاستقرار، وبطبيعة الحال فإن أي إنسان لم يکن لديه معتقد وفکر ما يٶمن به من أعماق ذاته، فإنه سيکون قلقا وغير واثق من نفسه وغير معتمد عليها.
هذه الحقيقة المهمة التي أوردناها، هي في الواقع أحد الأسرار الکامنة خلف التعامل الرحب والاستثنائي للإسلام في تسامحه مع قضية الاعتقاد، لأنه يريد جميع المکونات الإنسانية حتى تلك التي لا تٶمن بالإسلام أن يکون لها محتوى إنساني بالمستوى المطلوب الذي يمنحها القدرة على العمل والتعامل والتواصل والتأثير والتأثر مع الواقع الموضوعي، أما الرٶى والأفکار الضيقة والمتطرفة التي ينسبها المتطرفون للإسلام، فإنها في الحقيقة لا تمثل إلا من يدعو إليها لأن «وهنا أهم ما في الأمر»، الإسلام براء تماما من هکذا أفکار ومعتقدات متطرفة تصادر التسامح والتعايش السلمي والمحبة والإخاء.