إن يوم التاسع من ذي الحجة هو يوم من أفضل الأيام ففيه تمت كلمة الله ورسالته الخالدة لعباده: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا»، وفيه تنزل الرحمة، وتستجاب فيه الدعوات، ويستحب فيه فعل الخيرات، وفيه الحج الأكبر، واستحباب الصوم، وذكر الله وتسبيحه وتوحيده وتمجيده وحمده، فهو يوم التوبة والأوبة والعودة إلى الله والتطهر من الذنوب والأدران، لذلك فقد باهى الله ملائكته بأهل عرفة فيقول: «انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا» كما قال النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: (ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء)، وهذا ما يؤكد قدسية هذا اليوم ومكانته لدى المسلمين، وتنافسهم في إحيائه، فهو ليس مناسبة خاصة بحجاج بيت الله الحرام فحسب، بل هو يوم عظيم يتشارك فيه المسلمون روحانيات هذا اليوم مع حجاج بيت الله الخاشعين في جبل الرحمة ودموعهم حرى ترتجي العفو والمغفرة وقبول التوبة والفوز بالجنة.
جبل عرفة.. وقفة روحانية
يوم التاسع من ذي الحجة، إنه مشهد مهيب، ونحن ننظر إلى جبل عرفة وقد ابيض بحجاج بيت الله الحرام الذين لبسوا زي الإحرام الأبيض في دلالة على الطهارة والصفاء والنقاء وتزكية النفس، تسمعهم يكبرون خالقهم مهللين مسبحين وحامدين شاكرين ومستغفرين، جاؤوا إلى هذا المكان وقد تركوا المال والديار والأبناء ومتاع الدنيا ليشهدوا هذا الموقف العظيم، حيث كل شيء يفنى إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام، لا شيء يشغلهم سوى طلب العفو والمغفرة والخروج من هذا المكان، وقد تقبلهم الله قبولا حسنا وأدخلهم في رحمته، في هذا المكان حيث لا شيء سوى الحجارة والتراب لنعتبر جميعا أننا من هذه الأرض وإليها راجعون، فالكيس هو الذي أدرك هذه الحقيقة وعمل لهذا اليوم حيث لا تجزي نفس عن نفس شيئا، وهنا وقف نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم خطب خطبة الوداع، وكلماته ما زالت تملأ أرجاء المكان وهو ينظر إلى هذه الأمة نظرة حب ورفق ويدعوها إلى النجاة ما تمسكت بنهج الإسلام الصحيح، الذي دعا إلى تعزيز أواصر الأخوة والمحبة والتسامح وحسن الأخلاق والمساواة والعدالة ونبذ الظلم، وأكل مال اليتيم والربا، كما أوصى بالنساء خيرا فهن شقائق الرجال.
وعليه فإن هذا اليوم هو مناسبة عظيمة الدلالات والمعاني فهو فرصة لإعادة تنظيف وتطهير القلوب وتعميرها بالإيمان وفهم حقيقة الدنيا والعمل للآخرة، كما أنه مناسبة لمعرفة منهج الإسلام ورسالته العالمية وتعاليمه السمحة الداعية للمحبة والسلام.
@sayidelhusseini