أما النصيب فهي تعويذة يرددها العامة حين يلبسون وشاح الوعّاظ وتلوك ألسنتهم تلك الكلمة الفجة لإقناع الآخر بالرضا والذل والخنوع، لوضع ما أو أمر ما !! لاغين حينها أي دور للاختيار ولرحمة الله!! حيث يقع الكثير في فلسفة الدلالات التعريفية التي يتم تناقلها بين الفينة والأخرى. ويصل به الأمر إلى أن يعلق أمله وآماله على أنه ليس له حظ أو نصيب، والبعض يسلم تسليما كاملا بذلك.
والسؤال الأهم.. لماذا يندب الناسُ الحظَ والنصيبَ؟؟
منشأ الاتكاء على الحظ وتحميله عبء الإخفاقات في الحياة إنما يرجع غالبا إلى الخطأ في تفسير كلمة (الحظ) ومثلها كلمة (النصيب) إذ يجعله غالب الناس قسيما للقدر وينظر له على أنه أمر مؤثر في الحياة تأثيرا كونيا لا فرار منه مع أن الحظ والنصيب بمعنى واحد وهو بأبسط معانيه: «ما يخصك من شيء ما» وهو بهذا المعنى قد ورد في القرآن الكريم.
أما أن يكون الحظ والنصيب شيئا مؤثرا في حياة الإنسان بحيث يسعد الإنسان أو يشقى هكذا بدون مباشرة الأسباب فلم يرد في لغة العرب البتة، ورب العالمين قد خلق للإنسان أدوات العمل والفعل كالجوارح والحواس وخلق له العقل الذي يتحكم بالجوارح والحواس ثم منحه تعالى القدرة على اختيار ما ينفعه أو يضره، وتبعا لذلك لم يصح الاحتجاج بالقدر ولم تصح نسبة الفشل إلى الحظ والنصيب.
وقد ذكر الحظ في القرآن الكريم في عدة مواقع، فحظ قارون وصفه القرآن الكريم بالحظ العظيم: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) سورة القصص الآية 79.
وهناك حظ الآخرة وهو جنة النعيم (وَمَا يُلَقَّاهَا إلّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) سورة فصلت 35. وهناك حظ المواريث في قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) سورة النساء الآية 11.
ويقول الدكتور أرنولد دي ماير في كتابه (منطق الحظ) الحظ مجرد لعبة تخضع لما يتخذه الإنسان من قرارات تحقق مصالحه وتجعله محظوظا.
وهو غير ذلك كما روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان».
إن ربط مفهوم الحظ على أنه هو الذي يتدخل في الأرزاق ويغير الممكن وغير الممكن هو اجتثات لمفاهيم يصنعها الوهم وسقوط البعض في خزعبلات منتشرة في بعض البلدان من خلال قراءة الكف والعمل على تغيير القدر والارتباط بالبحث عن الحظ والنصيب بمحدودية البشر باستقطاب في غير مكانه فالإنسان ليس له إلا ما سعى.
إن العمل على التحرر من الأوهام والإسراف في متابعة حظوظهم من خلال قراءة الأبراج ومتابعتها وربما البعض يقع في مزالق الإيمان المطلق وتكييف أفكاره تجاه ما يقرأ، وأن الحظ هو الكفيل بجلب الرزق وتحقيق الطموحات وتجاوز الصعوبات وربط ذاك بكل ناجح هو وهم ينال من الشخص الذي يبعد ويبتعد عن دينه ويقينه واعتقاده. وهو الأمر الذي سهل لبعض المنتهزين والمسوقين لبيع الوهم واستغلال البعض من الانتشار في أماكن عدة.
إن الإنسان لا يملك تقدير مستقبله وربطه بالحظ والنصيب وتتبع خرافات صناعة وهم المستقبل، إنما عليه السعي والانطلاق والاتجاه نحو أيقونة العمل والتفاؤل دون الانغلاق في عالم المجهول باتجاهاته التي تقضي على قيمتك ومكانتك ومهارتك وإبداعك في الوصول والاختلاف.
لأن الله عز وجل خلق وأسس فينا طريقي الضلال والهداية، النور والظلام، الخير والشر، الحب والكره.. ومن بعدها أعطانا حرية الاختيار لنكون قادرين على الاستفادة من رحلتنا الحياتية وسلك دروبها حتى المظلمة منها لنصل إلى درجة «ذو حظ عظيم».. حاشا لله أن يريد بنا سوءا أو شرا أو أن يردينا في الجحيم وهو الذي أعطانا الضوء الأخضر للاختيار!!
أنت محظوظ حينما تؤمن بقدراتك وإمكاناتك وإصرارك!
Alsuhaymi37@