وأستوقف هنا وأتذكر إحدى الخطب الغريبة حينها بينما كنا ندرس بالولايات المتحدة والتي أشار الخطيب فيها بوضع قيمة الأضحية المحدد نقدا بصندوق المسجد ليقوموا بالذبح للأضاحي بالنيابة، وكانت زمنها شيئا جديدا لم أسمع عنه من قبل بل أغلب جيلنا ممن درسوا معنا تلك الفترة. وكان بالمسجد بتلك البلدة أيضا يقولون لنا يمكن الفداء بأي حيوان وحتى بالدجاج وليس بالضرورة الكبش الأمر الذي كان غريبا علينا بتلك الفترة فهو ليس من خطب العيد التي تعودنا عليها أو من تلك بتقاليدنا وعاداتنا أيضا. وغاب زمن وذهب زمن ووجدنا أن ما قيل لنا بذاك المسجد أصبح عرفا عند العديد من المسلمين وما عاد مستغربا أو منتقدا وظل العيد هو العيد.
وكنا نذهب إلى خارج المدينة عند أحد المزارعين لشراء الأضاحي ومن ثم نقوم بذبحها وبالطبع لست من الذابحين لكني من السائقين بل وأمهرهم «توهان» للوصول إلى تلك القرية ومزارعها. ومن المشهد أنه كان صاحب المزرعة يزن الخروف حيا ويبيعه بالكيلو وكنا نرى الأفارقة النيجيريين لا يقومون بسلخ الأضاحي بعد ذبحها بل يحرقونها برميها بالنار بعد أن يشعلوا الحطب ثم يقومون بسلخها وتقطيعها إلى ما أشبه بالمكعبات مع جلدها. ومن المشاهد أيضا بيوم العيد أن قرر أحد الأصحاب ذبح أضحيته بحديقة منزله إلا أنه فوجئ بالشرطة تداهمه، وعلم بعدها كما أخبروه أن من شروط الحي عدم القيام بذبح أو سلخ أي حيوان بالمنازل.
ومن طرف وذكريات الحج أن أنتدبت لصلاة العشاء عند النفرة من عرفة بعد أن توقف الباص بسبب شدة الزحام. وما أن كبرت وبدأت بالصلاة إلا أن سمعت حركة خلفي وأصواتا وظللت لوحدي أصلي بل وأرفع الصوت ظنا مني أن أحدا بالخلف مني وما أن سلمت لم أجد أحدا. والقصة أن الباص تحرك فخشي منهم ممن لم يبدأ بالصلاة أن يذهب دونه فتعالى صوته «إن الباص تحرك»، وبشكل عفوي ركب الباص كل من كبر خلفي إلا أنه توقف من الزحام وورطهم. وعادوا وأرادوني أن أعيد الصلاة وكيف؟ فهي ليست «كاسيت» حسب ما كنا نقول بتلك الفترة وهي عقاب لهم إلا أنها من طرف الحج.
ومن المواقف التي ربي ستر فيها بإحدى الحجج أن ذهبت موكلا لرمي الجمار باليوم الثاني وكان وقتها هناك جسر فوق الجمرات وليس كما وضعه الحالي. وبدأت بالصعود له إلا أني شاهدت سيدة مغمى عليها على حافة الجسر وأولادها يهفون عليها وآثرت الرمي بالأسفل بأسباب ذاك المنظر. وكان الزحام شديدا حيث افترش الحجاج بأسفل الجسر مما ضيق المكان. وكنت ما أن أرفع يدي للرمي من شدة التدافع أجد نفسي أبتعد عن الجمرات حتى أنني فقدت العد وشككت أن تلك الحصوات الصغيرة لم تجد مكانها حيث يجب وأعدت الرمي. وبعد أن خرجت من الزحام بدوت وكأني تائه أو فاقد للوعي فظللت أمشي بلا هداية إلى أن انتبهت أني بعدت جدا عن مكان المخيم. وما أن عدت، سمعت أصوات سيارات الإسعاف تعلو وعلمت أنه كان هناك تدافع بالجسر الذي قصدته بالبداية وموتى أو بحالات خطرة ولعل لرؤية ذاك المنظر من تلك السيدة وأولادها هي من قدر الله ولطفه.. والله ستر.
الذكريات كثيرة إلا أن تلك الأيام من العيد هي أيام فرح وتهان بين الأهل والأصدقاء بها نجدد الألفة والمحبة وتلك من جميل الذكريات وكل عام وأنتم بخير.