إلا أن التصريح بقرار سياسي شيء وتنفيذه على أرض الواقع شيء آخر. وهنا يبرز دور العلم والفيزياء منه في المركز والتقنية المصاحبة له في إتمام هذا الإنجاز الفذ. إن الذهاب بثلاثة ملاحين إلى القمر وعودتهم سالمين غانمين إلى موطنهم الأرض كان يعد قبل نجاح المهمه ضربا من الخيال، كان تحديا جما، لكنه نجح. نجح بالإرادة أولا، ثم بالعلم، ثم بتكاتف المؤسسات المعنية به لإنجاحه. إنه مثال أعلى للنجاح، النجاح على كل المستويات.
في تفاصيل المشهد، ترقب حذر وأعصاب مشدودة لكل لحظة من إبحار المركبة إلى الفضاء. فاحتمال فشل المهمة لأي سبب كان أمرا واردا. وقد حبس طاقم المراقبة على الأرض أنفاسهم لعدة ساعات لتعثر أحد أزرار التحكم في إغلاق المركبة بعد الهبوط. في تلك الساعات الرهيبة كان الظن أن عودة الملاحين إلى الأرض أمرا متعذرا. وأخيرا تنفس الجميع الصعداء بعد أن تم حل المشكلة بواسطة قلم حبر جاف لأحد الملاحين تم به معالجة العطب. ولم يخل المشهد من عاطفة دينية عندما أدى الملاحون طقسا دينيا لبرهة في يوم الأحد هناك قبل هبوطهم.
لقد سجل الحدث باسم البشرية وليس باسم الدولة، التي أنجزته وهي سابقة سياسية على مستو عالٍ من النضج السياسي بالرغم من رفع العلم الأمريكي على سطح القمر.
كان ذلك قبل خمسين عاما. وقبل أيام تصدر تقديم الرئيس الأمريكي لإنجاز أمريكي تاريخي آخر نشرات الأخبار عندما قدم أول صور للمسبار الأمريكي الجديد جيمس ويب لأعماق الكون. وبالرغم من أهمية الحدث علميا، إلا أن تقديمه بتلك الصورة يأتي كرسالة للتفوق الأمريكي في علوم الفضاء.
هل من الصدفة أن يتزامن الحدثان؟ ربما. لكن الحدثين مليئان بالعبر والدروس، ولعل أهمها هو التفوق الأمريكي الواضح في ريادة الفضاء، وهو تفوق مبني على قواعد علمية راسخة في الفيزياء وتطبيقاتها.
أين موقع العرب من هذا كله؟. إنه لمن المؤسف أن كثيرا من مسميات المواقع والنجوم عربية الأصل. ولعالم الفلك المشهور ديجراس تايسون وثائقي مشهور عن دور العرب والمسلمين في النهوض بعلم الفلك. كان ذلك عندما كان العقل والعلم هو طريقة العيش. أما اليوم فلا سجال ولا صوت يعلو فوق صوت ما إذا كانت الأرض كروية أو مسطحة.
نعم نحن نشهد أحداثا علمية كبرى في زمننا هذا، لكن البعض مازال يعيش في زمن آخر، وكأنه على كوكب آخر، وبمنطق آخر. لهذا السبب مازال يفصلنا عن الفضاء وعلومه ساعات وأيام وسنين ضوئية بمثل هذا النقاش.
[email protected]