وتبدو الأسباب واضحة، من خلال تلك الإرشادات الناصعة:
أولا: تبدو العلاقة بين الوسائل التعليمية والتربوية وبين أمراض الأطفال العصبية والنفسية علاقة وطيدة، وهي تؤكد بجلاء أهمية الوسائل والألعاب التعليمية البيئية؛ لتكون بدائل تعليمية وتربوية وترفيهية آمنة وخالية من الشحنات الكهربائية والموجات المغناطيسية، التي تؤثر على الخلايا العصبية، ولعل أترابنا ومَن هم قريبون من أعمارنا يتذكرون ما كنا نصنعه من الطين والعجين، ونوى المشمش، والبِلي الزجاجي وما أدراك ما البِلي الزجاجي! والنحلة الخشبية، وأغطية زجاجات البيبسي كولا (الكازوز)، ولا أعلم من أين جاءت هذه التسمية، ولعبة السيجة التي كنا نرسمها على الأرض، وهي صورة مصغرة للشطرنج لدى المترفين في زمننا، وأعواد القمح اليابس وسنابله، التي كنا نصنع منها أشكالا ورسومات، ونكتب بها كلمات مثل: بسم الله الرحمن الرحيم، نزين بها جدران بيوتنا وأبوابها، وكنا نصنع من أعواد قش الذرة اليابس سيارات ونظارات، ومن أعواد الغاب هياكل للطائرات الورقية، وأعوادا لصنارة السمك، وكان هذا شأن الأطفال في كل بلادنا العربية، وإن اختلفت أشكال ألعابهم ومسمياتها لكنها اتفقت على أنها ألعاب بيئية آمنة، تقدح زياد العقل، وتعمل على تنمية الفكر.
وأنا بالطبع لا أقصد أن نعود بأبنائنا إلى زمن الطين والعجين، فلكل عصر طينُه وعجينُه، بل ما قصدته هو التحذير من تلك الألعاب الإلكترونية وآثارها السلبية، على الصحة النفسية والجسدية، وما سببه فرط استخدامها على فلذات أكبادنا ليس بخافٍ ولا بعيد.
وجدير بالذكر، أن نشير إلى توافر وسائل تعليمية وتربوية تعد بدائل آمنة وتحقق نتاجات متميزة، خاصة إن صاحبتها استشارات تربوية من أهل الاختصاص في هذا المجال، فالوسيلة التعليمية من وجهة نظري أشبه ما تكون بالدواء الذي لا يصرف إلا وفق وصفة طبية، كما أن له آثاره السلبية وأضراره الجانية إنِ اُستُخدم بطريقة عشوائية، وهذا هو السبب الذي يجعل أطفالنا ينفرون من الوسائل التعليمية البيئية، إذ لا يجدون فيها المتعة والتفاعلية، اللتين يجدانها في الألعاب الإلكترونية، أضف إلى ذلك ما يجده الآباء والأمهات من راحة البال باندماج الأبناء مع تلك الألعاب الإلكترونية، وهو ما يجعلهم راضين عن أطفالهم وألعابهم، ولكن الحصاد مر المذاق، وليس من سمِع كمَن ذاق.
ثانيا: النظام الغذائي الجيد، الذي يتجنب معه أطفالنا المأكولات التي تشتمل على السعرات العالية، والزيوت المهدرجة، والمواد الحافظة، والتي أصابت أبدان الأطفال بالسمنة المفرطة والأسقام، أو الهزال وهشاشة العظام، كما أصابت عقولهم بالترهل والبلادة وبطء التفكير.
ثالثا: سهر الليل، الذي يفقد معه أطفالنا كثيرا من الطاقات والخلايا الضرورية لبدنه وعقله، التي يؤدي فقدانها إلى كثير من الاضطرابات النفسية والعصبية، كما يؤدي إلى اضطرابات النمو على مدى ليس بالبعيد، ولن يعوضهم نوم نهارهم ما فاتهم بسبب سهر ليلهم، فضلا عما يؤدي إليه نوم النهار من اعتياد التهاون في الصلوات والتفريط في أداء العبادات؛ إذ كيف يتسنى لنا العمل بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين)، بل كيف نطبق هذا التوجيه مع أبنائنا، الذين ينامون قُبيل الفجر ويستيقظون قُبيل المغرب في معظم أيامهم؟
أخي القارئ الكريم، أحسبك قد توصلت بطبيعة الحال، إلى الإجابة عن السؤال، الذي تصدر المقال:
على مَن تقع المسؤولية؟ وأذكرك وأذكر نفسي أن كلنا راع، وكل راع مسؤول عما استرعاه الله من رعية.