عندما نقرأ، أو نسمع هذه الوعود ستتكرر علينا مصطلحات مثل مدينة عالمية، مزاد إلكتروني وبورصة عالمية للتمور، وفنادق ومراكز تدريب وإلى آخره من المفردات الرنانة، التي تلامس سماء الأماني، ولكن لا يصل إلى أرض الواقع شيء منها.
لطالما كانت الأحساء تاريخياً موطناً للتمور، وكان موسم مزاد التمور موسماً استثنائياً معروفاً على مستوى الخليج لا ينافسه أحد، لكن هذه الميزة التاريخية لم تعد كالسابق على الأقل تسويقياً وتنافسياً أو كعائد اقتصادي، فقد تقهقرت مرتبتها خلال العقد الماضي، حتى أصبح المزارع يحمل همّ تموره، ويعاني لبيعها بسعر يعوض عليه صبر عام كامل، ويخشى بخس ثمنها بسبب ضعف التسويق وغياب الرؤية الطموحة.
أنا هنا لا أروج للسوداوية ولا للتشاؤم، لكن أيضا يجب ألا نمرر مثل هذه الوعود والتصريحات بدون تمحيص وتحقق من مخرجاتها كما حان الوقت لنتوقف عن قبول التعليقات والتصريحات، التي تداعب المخيلة، وتداعب الحلم بتحقيق الريادة، وأن نبدأ فعليا بتبني إستراتيجية تقودها هيئة تطوير الأحساء لوضع التمور في مكانها الصحيح.
إن أحد أهم الركائز في محافظة الأحساء هي النخلة، وهي تحتضن في قلبها وجوفها ثلاثة ملايين نخلة بإنتاج ما يزيد على 120 ألف طن من التمور وبحسب آخر موسم، فقد بلغ متوسط الكيلو ريالين، وهذا غير مناسب لشريحة كبيرة من المزارعين، الذين يخسرون بحسب مسح أجريناه سابقا، وفي النقيض نجد أن التمور تباع للمستهلك النهائي في الأسواق المختلفة بأسعار مناسبة تصل في معدلها 15 إلى 20 ريالاً للكيلو، وهذا الفارق لم يذهب إلى الجزء الكبير للمزارع، بل إلى سلسلة البائعين، ومنهم التجار والمصنعون وأصبح المزارع الحلقة الأضعف، ما لم يدعم المزارع في هذا المزاد لن يستمر طويلا، وقد يبحث عن بديل.
إننا نعول كثيرا على هيئة تطوير الأحساء بالاستفادة من هذه الميزة التنافسية لتمور الأحساء وبأن تكون إحدى أولوياتها النهوض بسوق التمور وصناعاتها أن تكون أحد المحاور الإستراتيجية في سياساتها، والمزارع أحد ركائزها يجد العائد الذي يوازي جهده، ليصبح موسم المزاد أحد أهم المواسم الاقتصادية والسياحية في المنطقة.
إن نجاح هذا الأمر يعتمد على تضافر الجهود، وتوحيد السياسات، وتسهيل الإجراءات، وإيجاد الحوافز، واستقطاب الكفاءات، وفتح المجال للشركات المتخصصة للدخول في منافسة لتسويق ورعاية وإدارة هذا السوق، وهي تجربة قامت بها بعض المدن في المملكة، ونجحت ونرجو النجاح لكل منطقة أو مدينة من مدن المملكة لتعظيم الاستفادة من خيرات الأرض.