بعد عدة أسابيع، تزورك نفس المرأة بأعراض حمل، وبعد التأكد من الحمل، تطلب منك إجهاض الجنين الذي ما هو إلا نتيجة تجربة مؤلمة دمَّرت حياتها، والذي إذا أنجبته فلن تشعر تجاهه بأي مشاعر حب أو أمومة، بل العكس. إضافة إلى أن وجوده سيشكِّل عبئًا اجتماعيًّا وماديًّا ومعنويًّا عليها. ماذا ستفعل؟ ربما ستُبقي على الجنين؟ لكن ماذا لو علمت أن ضحية الاغتصاب تلك تفكر في الانتحار، وسيعزز استمرار الحمل تلك الأفكار ويجعلها تنتحر فعلًا!
أيضًا، كثيرًا ما يحصل أن تحمل المرأة بجنين مريض أو مشوَّه، وبعض الأمراض والتشوهات بالإمكان علاجها، لكن البعض الآخر لا علاج له، وقد يؤدي لإنجاب طفل سقيم يعيش حياة تعيسة مليئة بالأدوية، والعمليات والألم. وأقرب مثال على ذلك الأطفال المصابون بمتلازمة داون "منغوليا".
الآن سنضع أنفسنا مكان طبيب النساء والولادة الذي يستقبل امرأة حاملًا، تكتشف في نهاية الشهر الثالث أن جنينها الذي في بطنها مصاب بمتلازمة داون "منغوليا"، وتطلب منه إجهاضه. ولمَن لا يعرف ما هي متلازمة داون، هي حالة خَلقية تنتج عن زيادة كروموسوم؛ بسبب الانقسام غير الطبيعي للخلايا مسببة اضطرابًا وتأخرًا في تطور الطفل عقليًّا وجسديًّا. قد يعاني المصاب من اضطرابات خطيرة كعيوب في القلب أو الجهاز الهضمي، مشاكل في السمع والبصر، مشاكل في الغدة الدرقية والغدد الصماء، ضعف الجهاز المناعي، مشكلات في العمود الفقري والحبل الشوكي، سرطان الدم، أمراض عقلية والتهابات مختلفة.
على الرغم من أن مصابي متلازمة الحب "داون" تكون وجوههم مبتسمة دائمًا، وقلوبهم طيبة وحنونة جدًّا إلا أن حياتهم وحياة أبويهم صعبة جدًّا.
الآن تخيَّل معي، أنت بين عقلية الطبيب المدرك لكل المخاطر التي سيتعرض لها هذا الطفل إذا أكملت الأم حملها وجاء للحياة، ومدرك أيضًا لكل المشقة والمعاناة التي سيتكبّدها الأبوان والأموال التي سيصرفانها للعلاج والعناية بطفل منغولي، وبين قناعاتك الدينية ومبادئك الأخلاقية المعارضة للإجهاض، وقتل نفس لا ذنب لها، ماذا ستفعل؟ هل ستقوم بعملية الإجهاض؟
ربما سترجّح الإجهاض وإنقاذ الأبوين من هذه المشكلة، لكن ماذا لو قمتَ بالإجهاض واكتشفتَ بعد الإجهاض أن الجنين سليم، على الرغم من كل الإجراءات الطبية التشخيصية الدقيقة التي أكدت إصابته بالمتلازمة؟ القرار صعب فعلًا..!
@Wasema