بالإمكان هنا التمييز بين فن الأرض الطبيعي بدون أي تدخل من قبل الإنسان، وبين ما أضافته يده على الطبيعة. يندرج تحت النوع الأول عدد لا يحصى من الأعمال الطبيعية، التي تجعل من البيئة تجسيدا لقوله تعالى: (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها)، وقائمة الأماكن هذه تصعب على الحصر.
لدينا في المملكة ثلاث مجموعات من التكوينات الطبيعية يمكن إدراجها تحت مسمى «فن الأرض» بشقيها الطبيعي والبشري. ربما كانت الكثبان الرملية هي الصورة الأوضح، التي تعبر عن طبيعة الجزيرة العربية، والتي تشكل امتدادا طبيعيا للصحراء الكبرى. الحديث هنا ليس عن الكثبان فقط، بل عن الأشكال التي ترسمها الرياح على أسطح الرمال الذهبية. تتعدد صور هذه الأشكال بامتداد الصحاري الشاسعة، كما تتعدد بصمات أصابع البشر، في دلالة عميقة على التغير الأبدي الآخاذ لتموجات الرمال هذه. إن منظر هذه التموجات، خصوصا من الأعلى في خرائط جوجل إيرث ليأخذ بالألباب.
صورة أخرى لفن الأرض تتمثل في التكوينات الجيولوجية الرسوبية لمعظم مناطق المملكة. وقد أحسنت منصة «أبشر» في اتخاذ التكوينات الجيولوجية الرسوبية، التي يخترقها الطريق الدولي غرب العاصمة باتجاه مكة شعارا لها. كما أن جبل أبو مخروق بقلب الرياض مثال آخر على ذلك، ويندرج تحت ذلك أيضا جبل القارة في الأحساء وكل الخفوس «جمع خفس» في جوف الأرض في كثير من المناطق وسط المملكة.
وتعتبر المنطقة الشمالية الغربية من المملكة بتكويناتها الجيولوجية آية في جمال الطبيعة. انظر فقط إلى ما فعلته عوامل التعرية في حرات المدينة، وفي مدائن صالح وصولا إلى البتراء في الأردن الشقيق ووادي رم. ومؤخرا طار اسم العلا في الآفاق نظرا للتكوينات الجيولوجية الطبيعية، التي جعلت من صخورها وهضابها ووهادها أعمالا فنية طبيعية.
وفي جنوب غرب المملكة، تطاول الجبال عنان السماء بأشكال وصور شتى، فهي صحراوية صخرية في الشرق ما تلبث أن تكتسي بثوب الخضرة، وصولا إلى قمم السودة ومنعا ورغدان لتهبط هبوطا عموديا مرة أخرى في تهامة، لتشكل عددا من أجمل التكوينات الطبيعية ليس في المملكة فحسب، بل في المنطقة والعالم. الحديث هنا عن جبال فيفا وهروب والريث والتكوين الصخري الفريد لجبال الحشر وواديها الأشهر لجب. هذه كلها تكوينات طبيعية استغرقت ملايين السنين لكي تكتسي بحللها الجميلة تلك.
كل هذا يندرج تحت ما يسمى بـ «فن الأرض» بمعناه الطبيعي البيئي. أما ما يمكن نسبته إلى الإنسان، فقد أصبح ذاك شيئا من الماضي. كانت الجبال المذكورة أعلاه قمما في فن التعامل البيئي الخلاق مع الأرض، في تحويل هذه الجبال شديدة الانحدار إلى مساطب زراعية مشابهة لمثيلاتها في الصين وفيتنام وتايلند والبيرو. لقد كانت مناظر خلابة تأخذ بالألباب. هذا هو فن الأرض. فعندما يتعامل الإنسان بحساسية مع أرضه، وعندما يكون التعايش والاستدامة أسلوب حياة، وعندما يعرف الإنسان حدوده في تعامله مع بيئته، فإن النتيجة حتما ستكون أعمالا فنية. غير أن ما استغرق بناؤه عدة قرون من فن التعامل مع الأرض قد انمحى لدينا في فترة وجيزة. لقد آن الأوان أن يتم التعامل مع الأرض بكل مسؤولية واحترام.
[email protected]