@LamaAlghalayini
لا أحد يعرف على وجه التحديد ما هو التفكير، فكل ما نعرفه أنه نوع من النشاط العقلي، لكننا نرى تجلياته في كل مكان، وكلما تأملنا فيه وقمنا بدراسته زاد ذلك من إدراكنا لماهية هذه القوة الهائلة وما تملكه من طاقات مطلقة، ويمكنك أن تنظر الآن في أثاث المكان حولك، حيث ستخبرك عيناك بأنك تنظر لعدد من الجمادات، وهذا صحيح في نطاق الإدراك البصري، لكنك في الواقع تنظر لأفكار ومفاهيم أخذت شكلا ماديا من خلال العمل الإبداعي لبعض البشر، فكل ما حولك من اختراعات وإنجازات جاءت من تلك القوة الغريبة المسماة بالتفكير، فالعالم يخضع لسيطرة الفكر، وكل ما نحن عليه هو نتاج ما فكرنا فيه، وسر النجاح يكمن داخل عقل الإنسان وليس خارجه، ولهذا فإن الفكر هو المصدر الأصلي لكل الثروات والمكاسب ولولاه لما حدث أي تقدم في الحضارات، أو اندثار لأكبر الإمبراطوريات، فأفكارنا هي التي تصنعنا أو تحطمنا، وما نزرعه منها سنحصده في شخصياتنا وجودة حياتنا، ومع ذلك لا بد أن نعي أن الكثير من أفكارنا لا تخصنا على الإطلاق وليست نتاج رؤوسنا، بل نحن نتشكل كذلك بفعل أفكار الآخرين، وبرمجة المجتمع من حولنا، وبما نقرأه ونسمعه في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وحتى بما قد نسمعه عفوا من ملاحظات عابرة، وهذه الأفكار تنهال علينا بصفة مستمرة، منها يتماشى مع صميم قناعاتنا، أو يفتح لنا الآفاق أمام تصورات رائعة، وبعضها للأسف أفكار مزعجة تضعف ثقتنا بأنفسنا، وتقيد حدودنا وتحبط طموحنا، ولهذا إذا استطعنا مراقبة وفلترة أفكارنا، فسنطلق العنان لاستثمار تلك الثروات الوفيرة بداخلنا، فالاجتهاد في العمل لا يجلب النجاح لوحده، فالعالم مليء بأناس عملوا باجتهاد ولم يحظوا بالكثير، فهناك شيء أهم وهو الفكر الإبداعي والمعتقد الراسخ في قدرتك على تنفيذ أفكارك، وباستعمال القوة المتجددة للتصديق بوسعك أن تحفز كل قواك الداخلية وهي تعينك بدورها على بلوغ هدفك، فأول شيء عليك القيام به هو أن تحدد بالظبط ما الذي ترغب به، ولا تكتفي بالفكرة العامة بأنك تود النجاح، كما يفعل معظم الناس، بل لا بد أن تكون لديك صورة واضحة لما ترغب به حقا، فمعظم الناس يمتلكون صورة مبهمة، تجعل حياتهم كقطعة الفلين، التي تطفو بلا هدى على سطح الماء، وتجرفها التيارات المختلفة في هذا الاتجاه أو ذلك، فإما ينتهي بها الحال على الشاطئ بلا جدوى، أو تتشبع في الماء وتغوص في الأعماق، ولذلك فمن المهم أن تعرف وجهتك، وأن تبقى الصورة ثابتة في ذهنك.