لقد تناول هذا الكتاب نوعا من الحركة الدالة على الفعل والمفعول والفاعل، وقد تبين أن الفعل يأخذ في مجال الباحثين عند العرب فعلا مطلقا ومفعولا معينا، فالدال على الفعل هو امتزاج المعنى باللفظ، فقد وردت آية كريمة ألا وهي: (وهزي إليك بجذع النخلة)، وفعل هز مأخوذ من المعنى، الذي في الآية وهو أنه ما كنت ستتطاير عليك النخلة رطبا جنيا إلا عند عملية الهز، وهذا الهز هو السعي والعمل.
والدلالة عند ابن جني متعددة وموضوعية، فهي دلالة لفظية ومعنوية وحقيقية، فالحقيقة والمجاز يعتبران ضدين إلا أن عند ابن جني قد قارن بين حقيقة الكلمات ومعناها، فالمجاز الذي يعتبره ابن جني متداخلا في تركيب هذه الألفاظ.
لم تغب في كتاب «الخصائص» لابن جني نشأة اللغة باعتبارها قضية تاريخية أرّقت العلماء، فقد كانت لنشأتها قضية محورية، التي أسستها بناءات متراكبة، فبين الإشارة والاستدلال تطرقت معارف اللغة وإشكالاتها، ولم يكن هناك أدنى شك من أن الإشارة في الجمل والخطاب والكلمات هي معنى أساس اللغة، وأما الاستدلال فنجده يبرز فيما هنالك من ألفاظ ومعانيه، وفعل كسر وحطم هو فعل ثلاثي ومعناه: أي الكسر والتحطيم واستدلاله، فنجد فعل انقلب وهو فعل الهزيمة في أمر معين.
يعد ابن جني أحد أهم مصادر الدلالة حقيقة وتركيبا، ولما تناول كتابه «الخصائص» ما دل على الأمور ومعانيها وألفاظها، لم يكن ليحظى هذا النوع من قضية نشأة اللغة إلا بدلالتها على كل لفظ ومعانيه، فقد استدعت هذه المكونات إلى بروز باحثين وملمين في مسألة الدلالة بشتى أشكالها وأنواعها، التي لم تختصرها اللغة العربية في مصطلحاتها.
@Bairoukidevlet