@ghannia
عندما أستعيد شريط الطفولة الجميلة وعشقي للتجارب ـ ليست العلمية ـ واستنزاف موارد الأسرة أتساءل كيف طاوعتني أمي على كل ذلك الإسراف! فلم أبق في دولابها قماشا إلا وقصصته وصنعت منه ما لا يلبس، وكم أفسدت ماكينة أمي وكم أشغلتهم بالإبر التي تخترق جسدي مع كل لحظة حماسية! وكم أمتلأت حاويتنا بالأقمشة الجديدة المقصصة، ولأني ـ حفظني الله ـ! متعددة المواهب لا أؤمن بالتخصص! فلي في كل بحر (قطرات) وكثير منها لا يجلب المطر! فحتى المطبخ لم يسلم من مشاكستي فكم طبخة كان مآلها الحاوية! بل كنت أتسلل لأتخلص منها بعيداً عن الأعين بكل ما يحويه الطبق من مقدرات وموارد! ولأن الإحباط لا يزورني من أول الطريق، فمحاولات التعديل والأمل في الإصلاح يتجدد، فإن أشتد علي العجين سارعته بالماء وإن زاد الماء على الطحين!! عاجلته بكيس طحين جديد وهكذا حتى أتفاجأ بأن ـ الماعون ـ ضاق فأوسعه بماعون آخر وكل هذه العملية غير الديناميكية تتم خلسة وهدوء تام، فإن صادفتني أمي في مسرح الجريمة بالجرم المشهود وضاقت ذرعاً وحاولت توبيخي ساهمت دموعي في إيقاف المحاولة، فالدموع مع كلمات الدفاع التي تتلخص في «أبي أتعلم عشان إذا كبرت» يعني أن هذا الشغب ما هو إلا بعض الدبلومات المجانية والتعلم الذاتي بهدف التسريع! والتهيئة لسوق العمل ! ـ الذي يعني الزواج ـ فلا تحلم الفتاة في تلك السنوات إلا بأن تكون أما تدير شؤون المنزل ثم تلبس العباءة و(تسيّر) على الجيران! والدليل أننا نستمتع مع بنات الجيران في لعبة «الحريم» ونحمل «العروسة» والإخوة الصغار خلفنا وهم الكومبارس في المشهد الجميل! والحقيقة أن تلك الذكريات كانت جميلة وماتعة، فإن قال لي أحدهم «يا حياة الشقا»!! أفحمته وأفهمته بأن ذلك الشقا كان قمة المتعة..
والحقيقة أنني لم أندم في تلك الفترة إلا على «نعم الله»، التي أهدرتها ولعبت بها دون إدراك ولو كان لي بنتا وسلكت ذلك المسلك لقلت لها «يا شيخة جعلك ما تعلمتِ»!!
قبل أيام طالعتنا الأخبار بطوابير من الناس وازدحام شديد في إحدى الدول العربية من أجل شراء الخبز وكان ذلك المشهد كافيا بأن أُعظّم قيمة كيس الخبز، الذي نهدره دون أن نشعر، بل قيمة الطحين الذي لا يتعدى سعره الريالات وكم من أطنان الطحين المصنوع يرمى بكل أشكاله المنمقة و«المتعوب عليها» وقد كنت في أحد المطاعم، التي صيرت من الطحين أطباقاً تقدم بها الطعام، فالشوربة وضعتها في آنية سميكة مصنوعة من العجين والسلطة كذلك، وأنا أجزم بأن كل تلك الآنية سيكون مصيرها الحاويات فلا يمكن استخدامها بعد أن ذابت بفعل الطعام الساخن الذي وضع بها، وإذا وقفت أمام أحد المخابز في نهاية اليوم لشاهدت المنتجات المتبقية وهي ترمى! وحتى لا نتخيل أنفسنا في تلك الطوابير علينا أن نحافظ على هذه النعمة وليت وزارة التجارة تمنع استخدام المواد الغذائية كآنية لوضع الأطعمة وأن تضع آلية معينة للمخابز في تقنين الكميات وفق متوسط البيع لكل مخبز وعلى ربات البيوت ألا «يتفلسفن» كثيراً!
خاتمة:
بلغ الحرص في حفظ نعمة الخبز ببعض البيوت إلى جمع الفتات من الموائد وجمعها لتستفيد منه البهائم، وكما جاء في الحديث «أكرموا الخبز».