عندما كان في مصر في ستينيات القرن الماضي وكانت القاهرة حينها كعبة الزوار والسياح والمثقفين والمفكرين والأدباء والشعراء، اندهش قباني من هذا الجو الثقافي الفريد، فـتلاقح مع أدبائه وتثاقف مع شعرائه وتصاهر مع مثقفيه فكرا وفنا، وبدأت شهرته تكتسح الآفاق العربية بعد أن غنى ولحن له كبار المطربين كأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد وغيرهم، وحقق حينها ما لم يحققه شاعر معاصر، وبدأت دواوينه تضرب الأرقام القياسية في المبيعات وبذلك يكون نزار قباني الشاعر الأول والأخير - حتى الآن - يحقق ثروة ضخمة من وراء دواوينه.
أما شعره، فهو آية في السلاسة والتدفق دون أي تكلف أو تعسف في اللفظ أو القافية، وهو مزيج رائع من الرومانسية والكلاسيكية، وقد كتب في الشعر التقليدي وكتب في شعر التفعيلة وأجاد في الاثنين أيما إجادة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن ريادة نزار قباني تتجلى هنا في أنه كان سباقا للاستجابة لشعر التفعيلة حتى أن إبداعه فيه كان أروع من رواد التفعيلة كالسياب والملائكة، كما أن ريادته تتمثل في استعماله للألفاظ المحدثة التي كان يتحاشاها الشعراء كالسيجار والفستان والست وغيره.
عاش نزار قباني آخر عمره مغتربا في لندن، وقبيل وفاته كان قد زار منزله العائلي في دمشق الذي ولد وترعرع فيه، وكأنه أراد أن يودع ملاعب الطفولة والصبا، وأوصى قبل وفاته بأن يدفن في دمشق، الرحم التي علمته الشعر والإبداع، وأهدته أبجدية الياسمين.
@albakry1814